كان ترددي في محله عندما فاتحني أحد الرفاق في المساهمة في تقديم هذا الاصدار حول 23 مارس. فعلى فرض تجاوز كل الصعوبات المرتبطة بالموضوع، ما العمل مع إكراهات الذاكرة وألاعيبها؟.. وهل ينسى المرء مشيته؟! بهذه البساطة والعفوية يحل عبد الصمد الاشكالية. وقَطَعَ الشك باليقين عندما أتانا بالبينة: إحضار أعداد 23 مارس مصورة في «الملتقى»، وهو عمل مشكور وجدير بالتنويه به؛ بعد أن اعتُبر هذا التراث في حكم الضائع، فأنا شخصيا لا أتوفر الا على بضعة أعداد لست أدري كيف «علقت» بأغراضي عند نقلها إلى المغرب أوائل الثمانينات، وإلا كيف تعبر الحدود بمادة محرمة حتى ولو أقسمت بأغلظ الأيمان أنها «للاستهلاك الشخصي» فقط؟!
لنحاول إذن نفض الغبار عن ذكريات عمرها أربعون سنة أو أكثر، وليتحمل معنا القارئ عناء السفر في الدروب المعتمة لشذرات تاريخ كاد يطويه النسيان؛ علّنا في معركة الذاكرة هاته نحقق بعض الانتصار نغالب به انكساراتنا في ما عداها من المعارك، سيما وأن 23 مارس تضررت أكثر من غيرها على مستوى ما اعترى ذاكرتها من نزيف وغبن؛ بسبب القمع طبعا لكن ليس دائما بسبب القمع…
من “أنفاس” إلى “23 مارس”
شكل صدور جريدة «23 مارس» في الفاتح من فبراير 1975 محطة أساسية في التجربة الاعلامية لليسار السبعيني عامة وفصيل 23 مارس بوجه خاص. محطة اتسمت بنوع من النضج و«الاحترافية»، بمواصفات تلك المرحلة من الوجهة النضالية الذاتية، وتمتعت بقدر من الاستقرار إذ استمرت في الصدور طوال ست سنوات شابتها تقطعات وعدم انتظام في الدورية اذ لم يكن قد صدر منها أكثر من سبعين عددا أو أقل قليلا عندما استلمت «أنوال» المشعل في نوفمبر 1979.
ذلك أن 23 مارس جاءت تتويجالجهود المنظمة واليسار عامة في مجال النشر والاعلام، أي مجال الصحافة الحزبية الخاصة باليسار الماركسي، أو بلغة ذلك العصر عند الماركسيين مجال الدعاية والتحريض. فقد تميز نشاط المنظمة على هذا المستوى، طوال السنوات السابقة على إصدار 23 مارس، ببناء جهاز تقني سري بالداخل أشرف على هذه المهمة بإصدار «الانطلاقة الثورية» (نشرة داخلية)، «المناضل» (نشرة جماهيرية مخصصة للتلاميذ مشتركة مع الفصيل الآخر المنشق عن التحرر والاشتراكية)، «النضال» (خاصة بالقطاع الطلابي)، «إلى الأمام» (نشرة جماهيرية أصدرتها المنظمة أولا ثم صارت مشتركة بين التنظيمين. انفرد بها التنظيم المنشق من التحرر والاشتراكية ابتداء من العدد السابع، بعد انسحاب المنظمة الأولى منها وإصدارها لنشرة 23 مارس، من ثمة أصبح التنظيم الأول هو 23 مارس، والتنظيم الثاني «إلى الأمام»)… ويجدر التنويه، مقدما، بأحد أعمدة هذا الجهاز السري، المناضل محمد فكري، وكل جنوده المجهولين؛ الأموات منهم والأحياء.
وعلى مستوى الخارج، أصدر التنظيمان بباريس صيف 1972 جريدة «أنفاس» بالعربية (موجهة بالأساس الى المناضلين والمثقفين العرب) وSouffles (موجهة بالأساس الى الرأي العام الثوري والديمقراطي في الخارج)، وذلك في إطار التنسيق بين المجموعات الثلاث (أ) و(ب) و(ج).