خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية
العمل مع المغاربة في الجزائر كان أصعب وخاصة في الوسط الطلابي إذ كانت الاصطفافات محددة سلفا وكان خطاب اليسار الذي كان جديدا بالمرة في الساحة الجزائرية يواجه بالعداء من طرف التيار الاتحادي المهيمن وقتها في الساحة الجزائرية والذي تمترس، بازدواجيته التاريخية، وراء فرع الجزائر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب صادا عنه رياح التغيير التي هبت وقتها على الجامعة المغربية ولسان حاله يقول: «لكن التغيير سيأتي من خارج (النضال الديمقراطي) بحول الله»، حسب الصيغة (المعدلة) لبيان شهير.
وكان «صوت التحرير» بإذاعة ليبيا القوة الضاربة لهذا التيار إعلاميا، ليس ضد النظام فقط بل وحتى ضد اليسار الجديد، وهو ما أثار غيرة الفقيد حمامة فانبرى للرد على تهجمات صوت التحرير ضد اليسار برسالة أذاعها البرنامج جاء فيها: «…الا أننا فوجئنا بحملات ضد من تسمونهم «اليساريين»، في حين يتعرض هؤلاء في الداخل إلى المتابعات والملاحقات والسجن. إن هذه الحملات التي تشن من «صوت التحرير» نعتبرها خطيرة ويمكن أن تؤدي الى نتائج ليست في صالح الحركة الديمقراطية. وإحساسا منا بالمسؤولية، نود أن نرد على بعض التهم الموجهة لليسار، لنضع النقط على الحروف آملين أن يكون الإحساس بضرورة توحيد النضال… هو المهمة الكبيرة المطروحة أمام الحركة الديمقراطية..».
لكنه في نفس الرسالة أشاد بأصحاب البرنامج وكال المديح للقادة التاريخيين الفقيه البصري وعبد الرحمن اليوسفي، بل واقترب من شباب الحركة وارتبط بصداقة عدد ممن سيستشهدون مع محمد بنونة أو سيعدمون فيما بعد (لحسن تاغجيجت (بوزيان)، الناصري، صبري (هوشي منه)، أسكور…). كان حمامة يرى فيهم أمل الثورة لو توفر الحزب؛ أمل ضاع في لمح البصر بعد فشل حركة 3 مارس، التي أصدر التنظيم بشأنها تقييما أوليا (15 مارس 73) يكاد يتطابق مع تقييم أطراف من حركة 3 مارس نفسها والذي نشر بعد ثلاثة عقود في كتاب «أبطال بلا مجد» للمهدي بنونة نجل الشهيد محمد بنونة (محمود).
وفي اللقاء الذي جمعنا (لحسن زغلول، المرحوم تفاسكا وأنا)، أوائل 1974، بالمناضل امبارك بودرقة (عباس)، استمعنا لأول مرة لوجهة نظر انتقادية لأحداث 3 مارس بل ولاتهامات بالخيانة في صفوف الحركة بطلها شخص بعينه يتكرر في جميع الروايات بما فيها رواية الفقيه البصري. أذكر أيضا إشارته في هذا اللقاء الى تغلغل البوليس في الحركة وتحذيره لنا من بعض الأشخاص المحكوم عليهم بالاعدام تمويها (دون أن يذكر أي إسم)، وكذا تحذيره من استعمال البوليس للسجائر المسمومة لاغتيال المناضلين، وتأكيده بالخصوص على توحيد صفوف اليسار وهو ما سجلناه باهتمام واعتبرناه أمرا جديدا وهاما إزاء موقف العداء الذي كان سائدا وقتها إذا استثنينا الموقف المتفهم والمتعاطف ضمنيا معنا، الذي كان للراحل أحمد الدرهم.
لقد نجحنا في الجزائر، رغم الجو غير الصحي، في إسماع صوت «اليسار الجديد» واستطعنا تكوين نواة لهذا اليسار بدعم من عدد من المناضلين: امحمد طلال، محمد الغزاوني، عبد الوهاب مروان، أحمد تفاسكا، محمد الأسمر، محمد الضعيف، لحسن المسعودي، عبد العزيز الهراس، سليمان «الوجدي»، القماح فضول.. هذه النواة ستشكل العمود الفقري لنضال اليسار في الجزائر داخل القطاع الطلابي وفي لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين بالمغرب ونشرتها «التضامن» التي استمرت في الصدور عدة سنوات.