أوساط اللاجئين كانت أكثر انفتاحا على أطروحات اليسار وانتظارا للجديد في ساحة النضال سيما وقد سئموا من تكرار التجارب الفاشلة. بتنسيق مع لحسن زغلول بدأ العمل التأسيسي وسط اللاجئين في وهران اعتمادا على نواة صلبة من خيرة المناضلين المعروفين من قدماء المقاومة وجيش التحرير: «باكي» (مرزوق حسن)، «زايد» (أحمد الرگيگ (الفقيه الدكالي)، عبد الله الدكالي، «شاعة» (بوشعيب الدكالي)، عبد النبي (مبارك ذكير) (الحارس لاحقا بمدرسة سنابل الفتح التي أسسها عبد الواحد بلكبير ولطيفة اجبابدي بالرباط)، أحمد المرابط الذي لم يكن ينفك عن الحديث عن علاقته بالمهدي بنبركة والرسائل المتبادلة بينهما وانتقاداته ونصائحه عبثا للمهدي بلزوم الحيطة والحذر..
ثم شكل الحدث السعيد في بيت لحسن زغلول باجتماع شمل عائلته عندما نجحت المرحومة زوجتي إذاك بمساعدة المنظمة في إحضار زوجته وابنتيه بهيجة وآمال، تهريبا عبر الحدود، من أعماق الأطلس، بعد فراق دام عشر سنوات، مبعث أمل وثقة لديه ولدى جمهور اللاجئين في العمل السياسي الجدي وبرهانا على نجاعة وفعالية شباب اليسار الجديد. كما كان لهذه «العملية» الرمزية صدى إيجابي لدى اللاجئين و عائلاتهم في وهران. تم كذلك عمل تأسيسي في جامعة وهران ابتداء بتنظيم أبناء اللاجئين الذين سبق ذكرهم في خلية مركزية توج ذلك بإصدار نشرة «الوحدة». تابع العمل بعد 1975 على الساحة الجزائرية الرفيقان «عمر» (محمد السمهاري) و«عبد الكريم» (ابراهيم ياسين).
«مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة»
عندما رأيت كيف أصبح الرفاق في فرنسا يسبحون كالسمك في بحر من اليسار؛ ولما تمض سنتان على نجاتهم، ربيع 1972، من مخالب القمع، ازددت اقتناعا بصحة مقولة الطيب الذكر ماو تسي تونغ: مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. عندما غادرت المغرب نهاية 1970، كنت أحمل بين أوراقي عنوان صديق لم يكن قد التحق بعد بشكل رسمي بالمنظمة التي تأسست بعد خروجه من أجل الدراسة وإن كان في محيطها منذ أواخر الستيات. عنوان الرفيق حمدون (عبد الغني أبو العزم) هو الامكانية الوحيدة التي كانت لنا بباريس والتي علينا أن نبدأ منها لتأسيس التنظيم بالخارج. ثم عنوان آخر بعث لي به الرفاق لكي يتصل «حمدون» بصاحبه، يسكن بدار المغرب اسمه الأول عيسى «.. ولا داعي لذكر اسمه الثاني ـ تقول المراسلة – لأنه سيعرفه..». سيشتغل إذن «محور باريس – الجزائر – الدار البيضاء» بشكل مكثف سنتي 1971 و1972.
رسائل من «عيسى» بالفرنسية حول اتصالات متفرقة هنا وهنا، تأسيس لجنة للتضامن مع مجلة أنفاس، لجنة مناهضة القمع في المغرب وتونس، توقيع عرائض من طرف ديمقراطيين ويساريين فرنسيين، مهرجانات في الـ Mutualité للتنديد بالقمع وتعميم الأخبار حول وقائع محاكمة مراكش.. وأخبار من حمدون حول تكوين لجنة طلابية هنا أو عمالية هناك، حول امكانيات في كليرمون فيران أو في تولوز، حول صعوبات التنسيق مع رفاق (أ) في بداياتها الأولى، انضمام حميد برادة الى التنسيق باسم (ج) باقتراح من (أ)، محاضرة لعلى يعتة في دار المغرب انقلبت الى محاكمة لمواقف الحزب من طرف حسن الحاج ناصر انتهت بـ«فرار» المحاضر، أخبار عن «حلقة المهدي بنبركة».. الخ فضلا عن هموم الشرق التي كان أبو العزم مسكونا بها: تصفية المقاومة في الأردن، عملية اغتيال وصفي التل (رئيس وزراء الأردن) في القاهرة؛ تجوز أو لا تجوز؟ الاحتجاج على زيارة حواتمة للعراق «في وضح النهار»، عراق التنكيل بالشيوعيين وغير الشيوعيين في «قصر النهاية»، اعدام عبد الخالق محجوب في السودان، إصدار الثنائي المصري اليساري «محمود حسين» (صاحب «الصراع الطبقي في مصر») لمجلة المسيرة التي سيخصص عددها الرابع للوضع في المغرب.. عمل جبار أنجز في ظرف سنتين أو ثلاث أرسيت فيه أسس التنظيم واكتسح اليسار السبعيني الساحة..