على الصعيد الفردي، لكل حكايته مع 23 مارس. هناك من اكتوى بنارها أو مسته شرارتها، وهناك من قال إنه كان يتفرج من سطح بيته على أوفقير وهو يقصف الناس من طائرة الهيلوكبتير.. بالنسبة لي عشت أصداء الأحداث من خلال التجمعات الحاشدة بكلية الآداب بالرباط حيث الشرار المتطاير للكلمات النارية التي كان الخطباء يتناوبون على إلقائها وأتذكر منهم بالخصوص محمد سبيلا، القائد الطلابي الصاعد وقتها خاصة بالنسبة لنا نحن «البيضاويين» (عبد الله تيغزري، محمد سالم يفوت، محمد وقيدي…) كنا معه نعيش أحداث الدار البيضاء لحظة بلحظة.. وبعد أن نمتلئ حماسا كنا نخرج في مظاهرات صاخبة بباب الحد وأحياء الرباط القديمة.. وذلك قبل أن يحال محمد سبيلا على «التقاعد النضالي» بقرار حزبي.. فكان عزاؤنا، وقد فقدنا مشروع زعيم سياسي، أننا ربحنا فيلسوفا.
أثناء ذلك جاءني خبر اعتقال أخي محمد في الأحداث فتوجهت إلى الدار البيضاء في نفس أسبوع الانتفاضة وبداخلي بركان ينتظر الوصول الى درب السلطان لينفجر ويحرق الأخضر واليابس. في البيت بدأت والدتي بإبلاغي أوامر الولد الصارمة، كتنبيه إلى الحد بين الجد واللعب، بإزالة شبه اللحية «الثورية» التي نبتت على ذقني مدة غيابي في الرباط. كان التوتر سيد الموقف في كل مكان. أخلي سبيل أخي.. لكن وضعه الدراسي أو بالأحرى اللادراسي ظل شاهدا على جناية يوسف بلعباس على جيل بكامله.. ثم استأنف قطار الحياة سيره المعتاد..
سنة أولى يسار بالجزائر
أواخر دجنبر 1970، سأجد نفسي، بمعية زوجتي، لاجئا بالجزائر عند لاجئين فلسطينيين من آل أبو دقة، وذلك على إثر متابعة تداخلت فيها عوامل متصلة بتأسيس المنظمة في مارس 1970 وأخرى مرتبطة بالمتابعات وبجو القمع المخيم على المناضلين الاتحاديين منذ اعتقالات خريف 1969. كانت تجربة قاسية قدت من جمر تلك السنوات وتحملت فيها العائلة ما تحملت خاصة بعد الاعتقال المتكرر لأخي عبد الحفيظ حتى أن الأسرة ضبطت حياتها لأكثر من عقد من الزمن على إيقاع القمع وويلاته، والسجن وطقوسه وتوابعه وزوابعه.. سيكون للتجربة وقع شديد أيضا على الرفاق والأصدقاء كما عبر مصطفى مسداد عن ذلك في رسالة كتبها إلى بعد بضعة أسابيع من مغادرتي أستأذنه في نقل الفقرة التالية منها: «… أعزائي، لن أكون إلا مقصرا كل التقصير مهما حاولت أن أصور لكم الفراغ الذي تركتموه هنا في محيطنا الخاص أو العام. لم تعد الأشياء هنا بعد غيابكم تحمل نفس الرونق الذي كانت تحمله بوجودكما (…).. أعزائي، خلاصة القول لن أقول عن نفسي إلا أنني الآن أرزح تحت أعباء نفسية ضخمة لافتقادي لرفاقي الأكثر قرابة إلى نفسي على التوالي…» (في إشارة إلى اعتقال الحسين كوار سنة قبل ذلك).