آخر الأخبار

أحمد الحجامي يستعيد ذكريات 23 مارس ـ 9 ـ

ألح اليمينيون على إرسال وفد من المنظمة إلى عدن للاجتماع بعبد الفتاح اسماعيل الذي وافق على اللقاء ولكن رفاق المنظمة في فرنسا لم يتمكنوا من انجاز هذه المهمة لأسباب شتى. في مكتب جبهة تحرير عمان تعرفنا أيضا على معارضين يساريين سعوديين، وعراقيين من الحزب الشيوعي (القيادة المركزية) وسمعنا منهم لأول مرة عن «قصر النهاية» وهو معتقل شبيه وربما أفضع من دار المقري.. مع فارق أساسي أن فظائع «قصر النهاية» كانت فظائع «تقدمية».

أثمرت هذه العلاقات قيام نوع من التنسيق الدائم بين حركات التحرر تمثل في اتخاذ مواقف مشتركة وإصدار بيانات وعرائض وتشكيل لجان مناصرة والقيام بحملات التضامن عندما يتطلب الأمر ذلك وهو ما سيحصل عندما ستبدأ محاكمة مراكش الكبرى صيف 1971 وحملات القمع المتعاقبة ضد التقدميين واليساريين المغاربة.

تحدد في هذه الفترة إذن المسار العام لعلاقاتنا العربية والأممية. وما عاشه المناضلون وشعروا به من فخر في المؤتمر الأول لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وهم يستقبلون بالتصفيقات الحارة وفود المنظمات الشقيقة والصديقة وبرقيات قادة منظمات أخرى إنما يرجع إلى ما أنجز في هذا الزمن الوضاء على مستوى علاقاتنا الخارجية التي جرى تطويرها لاحقا في أوربا والشرق العربي على يد كثير من الجنود المعلومين أو المجهولين الذين كانت لهم مساهمة متميزة في هذا المضمار أذكر منهم عبد الغني أبو العزم وعمر الشرقاوي.

أبعد من موسكو وبيكين

لكن الرفاق في الداخل كانت لهم «طلبات خاصة» بخصوص هذه النقطة؛ نقطة العلاقات الخارجية. كانت التحريفية السوفياتية مدانة بالاجماع داخل اليسار الماركسي سيما بعد أن شهد شاهد من أهلها بانسحاب يسار التحرر والاشتراكية من الحزب العتيد. ومخافة السقوط بالكامل في الماوية التي كان عدد من رفاق المنظمة «يدينون» بها، كانت أنظار رفاق آخرين، مثل مسداد وحمامة، تتجه بالأحرى صوب تجارب أخرى متميزة ولكن لاخوف على المنظمة معها من خطر الهيمنة. كانت الثورة الفييتنامية في الطليعة، وكان منظرها «ترونغ شينغ» (على خطى كارل ماركس) حاضرا في التثقيف الايديولوجي للرفاق كما أن الفقيد حمامة كان لا يفتأ يردد مقولة هوشي منه «الأكل مع الجماهير والنوم مع الجماهير والعيش مع الجماهير». ولكن الرفيق مصطفى مسداد كان هواه مع تجربة دولة ميكروسكوبية في أوروبا تسمى ألبانيا، الشوكة الصينية في خاصرة الاتحاد السوفييتي. ربما كان ذلك لكونها تجربة شيوعية في محيط إسلامي وربما لـ«دسارة» زعيمها أنور خوجة الذي كان يشبه تلك الذبابة الشهيرة التي أنهكت السبع.. ربما.

المهم أني قمت بالمهمة وكثر ترددي على سفارة ألبانيا بلا طائل اذا اسثنينا خطب «الرئيس المحبوب» أنور خوجة الذي كان يحث فيها الألبانيين على النظافة والاعتناء بالزهور والنباتات وعلى مكارم الأخلاق.. الفييتناميون على الأقل كانوا أكثر جدية ورغبة في التعرف على المغرب وناقشوا معي بالخصوص تجربتهم في حل مشكلة اللغة والكتابة في الفييتنام وأبدوا اهتماما بمشكل التعريب عندنا.. ولم يكونوا فضوليين كالألبانيين في محاولة معرفة الأوضاع في الجزائر أكثر من الاهتمام بما يقع في المغرب.