نظمت الجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي) ندوة مباشرة عن بعد، يوم أمس السبت 13 يونيو 2020 الثامنة مساء على الفايسبوك بالصفحة الرسمية لها، تحت عنوان”أزمة التعليم بالمغرب، بين وهم الإصلاح وتقارير المجلس الأعلى للحسابات وسؤال الحكامة قبل وما بعد كورونا”.
وقد أطرها كل من عز الدين أقصبي أستاذ التعليم العالي وعضو ترانسبرانسي المغرب، وأحمد كيكيش نائب إقليمي سابق للتعليم، واسماعيل أمرار كاتب جهوي للجامعة.
وكشف متدخلون، في هذه الندوة، أن أزمة “كورونا “عرت واقع التعليم في المغرب، وقول أمرار أن “مسؤولين في وزارة التربية الوطنية يشكلون أخطبوط وأذرع، والموارد المخصصة لا يستفيد منها التلميذ”.
أما أقصبي فقال أن “هناك فشل وغياب النجاعة بقطاع التربية والتكوين، وأموال عمومية بدون نتيجة أو نتيجة ضعيف”، مستغربا من أن “نفس المسؤولين ما يزالون في الوزارة والأكاديميات إلى اليوم خارج تغطية المحاسبة”.
وأشار أحمد كيكيش في تدخله إلى أن “من أوكل لهم إصلاح المنظومة وأن يوصلوا بكل شفافية الميزانيات المفوضة في البرنامج الاستعجالي، صاروا يسيطرون على المجتمع المدرسي وشركات الحراسة واستولوا على أراض كانت موجهة لمدرسة خصوصية بعد أن كانت مبرمجة عمومية، ورفعت عنها اليد، مستغربا أن هناك حجرات بنيت في حديقة في ملكية شخص”.
وقد اعتبر متتبعون كثر أن الندوة هاته، أيقظت أوجاع منظومة التربية الوطنية، وكانت فرصة توقظ أسئلة كثيرة إبان وبعد جائحة كورونا، ومناسبة تدق عقول متحجرة للمعنيين بالشأن التربوي، حيث من الحزن أن يرى أن كل شيء قابل للغش في قطاع التعليم بالبلاد.
ولقد تم إهدار وتبذير ونهب ملايير البرنامج الاستعجالي، ودون أن يتم الإصلاح المنشود! وقد تم تقديم أكباش فداء إلى مقصلة إعفاء مسؤولين كفرصة لتصفية حسابات ضيقة، وترك مسؤولون لهم اليد الطولى ( مركزيون، جهويون، وإقليميون) في خلق أزمة التعليم دون مساءلتهم ومحاسبتهم كما ينص على ذلك دستور البلاد، وقيل أن ملفاتهم أحيلت على أنظار النيابة العامة، وأنه تم الاستماع إلى عدد من مسؤولي القطاع، دون أن يتم الإعلان عن اللائحة الاسمية للمتهمين أو كشف نتائج التحقيقات، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في نهب مال التلاميذ، وإرجاعه إلى خزينة المملكة من أجل تجويد العملية التعلمية.
ولقد كان لسياسةَ مشاريع البرنامج الاستعجالي، أثَر سلبي على عمل الموارد البشرية داخل قطاع التربية الوطنية، إذ أضحى ربط كل عمل ولو كان من بين المهام الرسمية، بتحريك آلة التعويضات، فأصبح كثيرون مركزيا وجهويا وإقليميا لا يتقنون إلا لغة التعويضات واستراحة شاي ووجبة غذاء ومبيت مريح، ويتم خلق فرص ( لقاءات، ندوات، ورشات تكوينية، …. ) للتنقل إلى أطراف البلاد من أجل مزيد من التعويضات دون نتيجة إيجابية تذكر.
ولقد غابت قوة الإجراءات والتدابير التي كان من المفروض أن تتخذ في حق عدد من مرتكبي الأخطاء الجسيمة إداريا وتربويا، من المركز إلى المؤسسة التعليمية دون تفضيل ولا تمييز.
ولقد أضحت عبارة “اشنوا كاع داروا ليهم”، تتردد في أوساط نساء ورجال التعليم وعند الرأي العام، مما جعل البعض لم يعد يعير أي اهتمام أو احترام إلى المساطر المعمول بها أو القرارات الإدارية المتخذة، وأنه لا يطبق منطوق المراسيم والمذكرات إلا على من لا ظهر أو لا سند له، وأن الموكل لهم تنفيذ القانون لا يلتزمون به كرعاة وحماة له أولا، وأن هناك غياب الإنصاف والمساواة في تطبيق القانون، والمثابر والمجد والحريص على تطبيق القانون لا يكافأ على ذلك، عكس المقصر والمخل بالواجب المهني، الذي في حالات كثيرة يرقى وتسند له مناصب المسؤولية، وتصرف له تعويضات سخية، وهناك مسؤولون مركزيون بالقطاع معروفون بكثرة الوعود والمراوغة، وبقلّة الالتزامات، الشيء الذي كرس ثقافة الإحباط في أوساط نساء ورجال التعليم، وغياب الثقة في مسؤولين، وانتشار اللامبالاة.
ولقد أجمعت كثير من الدراسات والتقارير الدولية وغير الدولية والرسمية على جرأتها في الحكم على الاختلالات والأعطاب المختلفة التي يشهدها قطاع التعليم في البلد.
والوطن وهو مازال يصارع جائحة كورونا، فإن الأفيد والأنجع أن تكون الصراحة في تدبير المنظومة التربوية، وأن يعلن أنه يستحيل تدبير هذا الملف، مهما تم اللجوء إلى المجلس الأعلى على التعليم أو أي جهة أخرى، لتملي اقتراحاتها وحلولها، التي لن تفلح في تجاوز الأزمة، بالرغم من الإمكانات المالية واللوجستيكية التي وضعت وقد توضع رهن إشارتها، ما لم يتم عملية تمشيط من المركزي إلى الجهوي إلى الإقليمي، وإسناد مناصب المسؤولية إلى شخوص أهلا لها، وربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل صريح وواضح.
وغياب الروح الوطنية الحقيقية لدى مسؤولين على القطاع الناهبين المال العام، بدون تردد أو تخوف، بطرق مختلفة مغلفة بالقانون وباطنها الهدر و التبذير والمصلحة الشخصية.. وفي غياب حكامة للتدبير المالي للميزانيات التي ترصد لقـطاع التعليم سيظل التعليم على حاله، ويبدو أن ترجمة مضامين القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين، بعد سنوات من تكرار نفس تجارب الفشل، تبدو بعيدة المنال، مادام أن لوبيات الفساد هي الآمر والناهي في كل كبيرة وصغيرة.
محمد جمال بنعياد / الرباط