عبد الحق غريب
بعد فاتح ماي 2023، لا بُدّ أن نشطاء وزوار الفيسبوك لاحظوا عددا من التدوينات التي يعبر من خلالها مناضلون نقابيون عن عدم رضاهم عن ما آل إليه الوضع النقابي في المغرب من ضعف ووهن (لا أعمّم)، وقرّروا الاعتزال والابتعاد عن العمل النقابي.
إن عدم الرضا عن العمل النقابي في المغرب، والاستياء والتدمّر من أداء الأجهزة والقيادات النقابية، واعتزال عدد من المناضلين النقابيين ليست وليدة فاتح ماي 2023، وليست مرتبطة بنشطاء الفايسبوك فقط، بل هي قناعة ترسخت لدى عدد كبير من المناضلين النقابيين منذ مدة، وتتسع رقعتها يوما بعد يوم، خاصة بعد كل فاتح ماي، وكل جولة من جولات الحوار الاجتماعي، وكل محطة من المحطات التي عرفتها ملفات التقاعد والتعاقد وصندوق المقاصة والمحروقات ومصفاة لاسامير وارتفاع الأسعار…
لنتكلم بصراحة، ونقول بصوت عالٍ أننا نعيش أزمة حقيقية على مستوى العمل النقابي (لا أعمّم)، سواء في الميدان أو في المؤسسات (مجلس المستشارين…)، وعلى مستوى أداء الأجهزة والقيادات النقابية، وهي الأزمة التي تنعكس سلبا على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة والشغيلة والموظفين بشكل خاص، وعموم المواطنين بشكل عام.
وللإشارة، فإن هذه الأزمة التي تفاقمت بشكل ملفت في العقدين الأخيرين، كانت موضوع العديد من الندوات والورشات داخل بعض التنظيمات النقابية والسياسية، وكتب في شأنها العديد من الوجوه النقابية البارزة والمهتمين بالمجال النقابي، حيث تناولوا الموضوع من مختلف جوانبه، وقدموا اقتراحات للخروج من الأزمة ولتحسين الأداء، لكن للأسف الشديد دون جدوى… لا شيء تغير، بل ازداد ضعف النقابات واشتدّ وهن وذلّ بعضها، وازداد استبداد الدولة وجشع الباطرونا، والضحية طبعا هو العامل والأجير والموظف.
ما العمل ؟
لا أملك وصفة جاهزة ولن أزيد عما قيل ويُقال للخروج من أزمة العمل النقابي والطروحات التي قُدّمت بخصوص تقوية أداء الأجهزة والقيادات النقابية…
كل ما يمكن التأكيد عليه هو أن المطالب تُنتزع ولا تُمنح، وأن الدولة مستبدة ولا ديمقراطية، وأن الحكومة محكومة ولا شعبية، وقد جاءت لتنفذ إملاءات المؤسسات المالية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي…)، وتخدم مصالح الباطرونا والطبقة الغنية، وتقوّي زواج المال والسلطة.
لهذا، فلا خيار أمام الشرفاء المناضلين وكل الغيورين على الأداء والعمل النقابي إلا :
1- مواجهة ومحاربة البيروقراطية المقيتة داخل التنظيمات وفضح كل الانتهازيين والمرتزقة، ولا مجال للاستسلام أو الاعتزال؛
2- احترام وتفعيل الديمقراطية الحقيقية في التدبير والقرار وتحصينها عبر قوانين وأنظمة تُقنّن وتضبط الأسس والقواعد الديمقراطية المتعارف عليها، أساسها قطع الطريق أمام الزعيم الخالد والانتهازيين، وتتيح التداول على المسؤولية بشكل سلس، ولا تسمح باتخاذ قرارات انفرداية ؛
3- الوفاء بالالتزامات والشعارات المعبر عنها في البيانات وفي التصريحات وتجسيدها على أرض الواقع، بعيدا عن الحسابات السياسوية والمصالح الضيقة (التنسيق، العمل الوحدي، خلق جبهة وطنية…) ؛
في الختام، أغتنم هذه الفرصة لأوجه نداء إلى كل مكونات النقابة الوطنية للتعليم العالي، وهم يُعِدّون العُدّة لعقد المؤتمر الوطني 12 (لم يُعلن بعد عن تاريخ ومكان انعقاده !!؟؟)، من أجل :
أولا، التفكير بشكل جدي في تعديل القانون الأساسي للنقابة الوطنية للتعليم العالي وإعادة المادة 10، التي تم حذفها في المؤتمر الوطني السابق (المؤتمر 11، أيام 27-30 أبريل 2018 بمراكش)، لأن حذف هذه المادة يتعارض مع مبادئ وأسس التقدمية، ويعتبر ذبحا للديمقراطية، وهو ما عبرنا عنه في حينه، بعد أن كان الحزب الاشتراكي الموحد هو المكون الوحيد الذي صوت ضد حذف هذه المادة في المؤتمر الوطني 11 للنقابة الوطنية للتعليم العالي بمراكش؛
– أن يكون المؤتمر الوطني القادم مناسبة للإجابة عن السؤال الجوهري : “أي جامعة عمومية نريد وأي تعليم عالي نطمح إليه؟” ومحطة لتعزيز الثقة في العمل النقابي، خاصة في صفوف الشباب، وأن يكون مؤتمرا تاريخيا يفرز بشكل ديمقراطي أجهزة وطنية قوية ومنسجمة، تكون في مستوى وحجم الدفاع ضد ما يُحاك لضرب الجامعة العمومية وما يُخطط لها لإفراغها من دورها الأكاديمي والمعرفي ومن مهمتها النبيلة في بناء مجتمع العلم والمعرفة والتسامح… وأن يكون مؤتمرا ديمقراطيا، يقطع مع ثقافة “البادج”.
ملحوظة : تنص المادة 10 من القانون الأساسي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، التي تم حذفها في المؤتمر السابق على ما يلي : “لا يحق لأي عضو من اللجنة الإدارية قضى بهذه الصفة دورتين متتاليتين أن يرشح نفسه لدورة ثالثة إلا بعد قضائه لدورة على الأقل خارج هذه الهيأة.”