في مراكش، المدينة التي يُفترض أن تكون رمزًا للتقدم والتطور، تُترك شريحة من الأطفال في وضعية إعاقة والتوحد، هؤلاء الأطفال الذين هم بحاجة ماسة إلى الدعم والرعاية، لكنهم في الواقع يُعانون من إهمال صارخ يعيق مستقبلهم. نعيش في مدينة يُفترض أن تحتضن الجميع، لكن الحقيقة أن هؤلاء الأطفال يعيشون في ظل الظلم، وهم يُحرمون من أبسط حقوقهم: الصحة والتعليم.
القطاع الصحي في مراكش يواجه نقصًا فادحًا في الدعم الطبي والشبه الطبي. المواعيد في المستشفيات تمتد إلى أشهر طويلة، وتظل آمال الأسر معلقة في انتظار دورها للحصول على العلاج. أما مركز محمد السادس للمعاقين في الداوديات، الذي يُفترض أن يكون منارة لدعم الأطفال ذوي الإعاقة، فإنه لا يستطيع استيعاب الجميع، ويظل العديد منهم في انتظار طويل، وسط الوضع المأساوي الذي يعيشه ذووهم.
الواقع الصادم هو أن الأسر الفقيرة لا تجد من يعينها. أخصائيو التخاطب الذين قد يقدمون بعض المساعدة، يفرضون أجرة باهظة قد تصل إلى 200 درهم لنصف ساعة من الاستشارة. في حين أن الأسر لا تستطيع تغطية هذه التكاليف، السوق السوداء تُسيطر على المراكز والجمعيات، والمحتاجون لا يلقون سوى الاستهزاء والتجاهل.
أما في المدارس، فالأمر ليس أقل قسوة. معظم الأساتذة يرفضون استقبال الأطفال في وضعية إعاقة، رغم أن حقوقهم تكفل لهم حق التعليم. هؤلاء الأطفال يُحرمون من التعليم اللائق بسبب عدم توفر المناهج المكيفة التي تتناسب مع حالتهم. في الوقت الذي تُفرض فيه عليهم دراسة المواد باللغة الفرنسية، وهو ما يشكل حاجزًا ضخمًا أمام تطورهم الأكاديمي، ويتحول إلى إعاقة أخرى تفصلهم عن مواصلة تعليمهم بشكل طبيعي.
المرافقة هي الأخرى ليست في متناول الجميع. الأسر التي تجد نفسها مضطرة لدفع 2000 درهم شهريًا لتوفير مرافقة لطفلها، تواجه صعوبة بالغة في تحمل هذه التكاليف. وكل هذا يحدث في غياب تام للدعم الحكومي، الذي يبدو أنه لا يعي تمامًا حجم المأساة التي تعيشها هذه الأسر.
إحصائيات عام 2024 تؤكد أن 27,500 طفلًا في وضعية إعاقة مسجلون في المغرب، ولكن هذا الرقم يبقى إحصاءً باردًا لا يعكس حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء الأطفال. الوزارة المعنية لا تهتم بما يكفي لتوفير الميزانيات اللازمة أو الموارد الضرورية لتلبية احتياجات هؤلاء الأطفال. هل يعقل أن تبقى هذه الفئة مهمشة بهذا الشكل؟
المسؤولون في مراكش يتفاخرون دائمًا بجمال المدينة وبمشاريعها السياحية، لكنهم يغفلون عن الواقع المؤلم لأطفالنا. أين هي المراكز المتخصصة التي من المفترض أن تُخصص لدعم هؤلاء الأطفال؟ لماذا لا تُخصص الدولة الموارد لدعمهم كما تُخصص الأموال للتجميل والإعلانات؟ أليس هؤلاء الأطفال، الذين يعانون من إعاقة حقيقية، أولى بالدعم والرعاية؟
إننا نعيش في ظلمٍ صامت، أطفالنا لا يحصلون على حقهم في التعليم و الرعاية الصحية. لماذا لا تحرك الدولة ساكنًا وتضع يدها في يد المجتمع المدني لإيجاد حلول حقيقية؟ لماذا هذا الإهمال المستمر؟ إن هذه الأسر التي تكافح يوميًا لم تعد تحتمل المزيد من المعاناة. الأطفال بحاجة إلى مستقبل، والمستقبل يحتاج إلى دعم حقيقي.