آخر الأخبار

أغلبية ومعارضة ونحن وأنتم

إدريس الأندلسي

مرت انتخابات قبل شهور وتمت الانتخابات بمشاركة لا زالت دون انتظارات الديمقراطيين. حصلت مفاجآت كبرى و هزات مست بالأساس حزب العدالة والتنمية. كانت السقطة منتظرة و لكن الانهيار كان بعيدا جدا ولم يكن أحد يتوقعه. ولكن، إذا كنت في المغرب فلا تستغرب. لن اغامر بنهج تحليل أن ما حصل نتيجة مؤامرة كبرى استهدفت حزبا أصبح كبيرا بحكم حجم “أتباعه و من صوتوا لصالحه من “الإسلاميين و غيرهم “. ولكن هذا الحزب تمت محاربته حتى من طرف من كانوا حلفاءه منذ عقد من الزمن. ولكن يظهر أن ممارسة الشأن العام في مجتمع ” مزدوج الثقافة و الفعل في الواقع ” كما قال المفكر الراحل بول باسكون ( وهنا قد أكون غير موفق في ترجمة مفهومالازدواجية ) شيء يغير موازين القوى عبر صناديق و حفلات و تدبير صعب للحملات الإنتخابية.

ظهرت الأغلبية الحكومية شبه متراصة و شبه متفقة على شبه برنامج. و لكن الغريب أنه لم يظهر، لحد الآن، زعيم لهذه الأغلبية. السيد عزيز أخنوش يكاد يقود أغلبيته بكثير من الكياسة. يعتبر شركائه كرجال دولة رغم أن هذا المفهوم لا يمكن استعماله إلا بعد سنين من الممارسة. رجل السياسة أصغر بكثير من رجل الدولة لأن هذه الأخيرة بنية تاريخية متعددة الأبعاد و جد كبيرة و لا يمكن اختزالها في توافقات انتخابية و تدبير حكومي قد يكون ذا أمد قصير أو متوسط. رجل الدولة أكبر من هذا بأجيال و سنوات من الإمتحان اليوم يحدد مستوى إنجاز الغد إن نحن سيطرنا على أدوات الإنجاز المؤسساتي و الإقتصادي و المالي و الإجتماعي و الثقافي و التربوي. اليوم هو ذلك الرأسمال الكبير الذي يجب أن نتوفر عليه بعيدا عن حسابات سياساوية و ليست سياسية. صحيح أن الأغلبية كبيرة عدديا لكن الأهم أن تكون كبيرة اجتماعيا و ذات رأسمال تاريخي و سياسي. ولأن التاريخ رأسمال الشعوب، يصعب على من أراد أن يتكلم بشيء من الموضوعية أن يغفل تفرد حزب الإستقلال برصيد داخل التركيبة الحالية. و لهذا وجب عليه أخذ الحيطة والحذر من حلفاء قد لا يتورعون في زعزعة بناء كان وليد تنازع انتخابي و أفضى إلى ما أفضى إليه.

اليوم ظهر أن حجم و سلوك الأغلبية العددية قد تفضي إلى تنسيق بين فرق الأقلية المعارضة. أغلبية في مواجهة تحديات ” الدولة الإجتماعية ” و إستكمال سياسات قطاعية ذات أهداف كبرى لم تتحقق جميعها بعد، لن تصمد كثيرا. إنها أغلبية تقف أمامها أشياء و أشياء كما تقف أمام أي جسم سياسي. طرحت قبل شهور إشكالية حكومة الوحدة الوطنية ، ولكن الأمر لم يجد سبيلا إلى النقاش السياسي.
وهذا اليوم أو الحاضر الصعب يأمرنا بكثير القوة على التفكير في الوطن و مصالح المواطن. كثيرة هي الأصوات التي ارتفعت لتنادي بضرورة سلك مرحلة انتقالية قد لا تشبه حالة الاستثناء التي ينظمها الدستور، و لكن ملك البلاد يظل متمسكا بالمنهج الديمقراطي و لا يريد أن يحيد،” قيد أنملة ” عن عهد قديم و راسخ لديه. الديمقراطية شأن الجميع و إختيار لا رجعة فيه. و هذه هي الثقافة التي يجب أن تصل إلى كل الفاعلين. الأغلبية عليها و من حقها أن تشرع و تبدع في صنع القوانين و المعارضة لا يجب تغييبها عدديا في مجالات التشريع و المراقبة و الإسهام في خلق ثقافة مغربية في دنيا التفاعل السياسي.
و لمن لا يعتبر، وجب التذكير بأن لدينا إشكاليات وجب حلها لكي ننطلق نحو آفاق التنمية الحقيقية. رغم كل الجهود، وجب الوقوف عند نقاط ضعف تتبع الإنجاز و تقييم برامجنا في التربية والتعليم و الصحة و الفلاحة و الصناعة و الرقمنة و الطاقة وتدبير الماء والطاقة وغيرها من القطاعات. ليس المهم من سيربح، المهم هو من سينجح. والذي سينجح بفعل العمل الجاد و المهني و السياسي هو مغرب المغاربة. أدعو من يحلم مثلي أن ينخرط في دعم العمل السياسي بكثير من الحس النقدي الذي لا ينسى أن الفوارق الطبقية واقع وإقتصاد الريع واقع والتهرب الضريبي واقع و ضرورة تحصين بلادنا من هذه المواجع واجب وطني.