يحمل تكريم المؤرخ والكاتب المغربي اليهودي المتنوع حاييم الزعفراني (1922/2004) الذي أقامته أكاديمية المملكة المغربية أيام 12/13 يونيو 2019 بصفته عضوا مراسلا ،عبر ندوة دولية شارك فيها باحثون متخصصون من المغرب وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية العديد من الدلالات نقتصر منها على ما يلي :
1-يعتبر حاييم الزعفراني من المؤرخين اليهود المناهضين للصهيونية ،وهو من المؤرخين القلائل الذين يحملون في مشروعهم التاريخي تعددا وتنوعا ثقافيا بناء يثري المشهد الثقافي المغربي ،اشتغل بصرامة فكرية وعلمية وأخلاقية وبمثابرة استمرت لما يقرب من خمسة عقود . لا يني فيها مرددا افتخاره بمغربيته وحضارته المغربية ،وبمولده في مدينة الصويرة ،مؤكدا على قدم اليهودية المغربية الأمازيغية ،واليهودية العربية في الحضارة المغربية منذ الفترة الفينيقية والرومانية ،مستهدفا العمل على إبراز تاريخ استثنائي وتراث ثقافي تجهله الأجيال الحاضرة .
2-بعيدا عن شخصه وعضويته العلمية بمعهد الدراسات السامية بالكوليج دوفرانس ،وبلجنة الإشراف على مجلة آفاق مغاربية ،وعضويته مراسلا لأكاديمية المملكة المغربة ،وإشرافه على قسم اللغة العبرية والحضارة اليهودية بجامعة باريس الثامنة ،لا يمكن الحديث عن روافد الثقافة المغربية وإغفال أو تهميش أو إقصاء الثقافة اليهودية ،وبالمقابل يستحيل الحديث عن الثقافة اليهودية دونما استحضار لمجموعة من الروافد في مقدمتها الرافد المغربي والأندلسي أو بشكل عام رافد الغرب الإسلامي .
فالمغربي المسلم والمغربي اليهودي تبادلا الكسكس و”السخينة “،احتفلا جنبا إلى جنب بعيد الفطر وعيد “الفصح “،رددا مدح الرسول ،و”بقشوت ” موسى ،انغرس في ذهنهما أن “القبالي “المتصوف اليهودي ،يسلك نفس طريق الشيخ المسلم الصوفي .
3-لم يكتب حاييم الزعفراني ضمن ما كتب وهو كثير مؤلفات في التاريخ ،وإنما حبر موسوعات تتسم بالشمولية والإحاطة ،وتجمع بين مقاربة المؤرخ وعالم الاجتماع والأنتروبولوجي وعالم الأديان المقارن نشير منها إلى الكتب الآتية :
*التربية والتعليم اليهوديين في بلاد الإسلام 1969
*يهود المغرب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية دراسة في الفتاوى والنوازل 1972
*الشعر اليهودي في الغرب الإسلامي 1977
*الأدب العامي والشعبي اليهودي في الغرب الإسلامي 1980
*القبالا حياة تصوف وسحر 1986
*الأخلاق والتصوف في الموروث اليهودي 1991
ويعتبر كتاب –ألف عام من حياة اليهود في المغرب تاريخ – ثقافة – دين 1983 ،المترجم من طرف الكاتبين أحمد شحلان وعبد الغني أبو العزم من أهم الكتب التاريخية التي أرخ فيه الكاتب لليهود منذ أن كانوا مواطنين مغاربة ،ومنذ وصول بعض موجات هجرتهم في ركاب الفينيقيين والرومان ،أو هجرتهم من الأندلس ،متحدثا من منظور تاريخي عن مصيرهم ،ومن منظور المتخيل الاجتماعي عن ديانتهم واعتقادهم في الخوارق ،ومن منظور ثقافي عن مساهمتهم الثقافية في مجالات الإبداع الفكري عموما
كما يعتبر كتاب يهود الأندلس والمغرب المترجم من طرف الأستاذ أحمد شحلان سنة 2000 جماع كل ما كتبه المؤرخ حاييم الزعفراني في أبحاثه وكتاباته السابقة ،ففي هذا الكتاب حسب المترجم :
*مجريات يهودية الشرق والغرب الإسلاميين تعبدا وتاريخا ومصيرا .
*نظر في قانون أهل الذمة وتأويله والعمل به وما ناله اليهود من مكانة سامية في المجتمع الإسلامي .
*مستوى ما بلغته المعارف اليهودية .
*صور من الثقافة التي تجمع أبناء الوطن الواحد والمصطبغة بمقتضيات التنوع وخصوصيات المعتقد
*معارف تداخل فيه ما هو إنساني شامل بما هو مغربي خاص في إسلامه.
*تتبع دقيق لتطور المجتمع اليهودي المغربي في بنياته الاجتماعية .
*فنون من القول الفصيح والعامي والملحون والقصيدة و”الكريحة” والأندلسي و”الصنايع ”
*أثر الغزالي في يحيى بن يقودا ،وأثر ابن رشد في ابن ميمون .
*الإشادة بأمجاد المغرب وملوكه على رعاياهم اليهود .
وبناء على ما سبق تبقى قراءة التاريخ المغربي من طرف المؤرخين المغاربة المسلمين قدامى ومحدثين ،قراءة مسيجة ببياضات إن لم تساوقها قراءة هذا التاريخ من طرف المؤرخين المغاربة اليهود ،وهو وجه من أوجه ثراء هذه الكتابة كما احتفت بها أكاديمية المملكة في شخص المؤرخ حاييم الزعفراني .
شحيمة عبد الصادق