استمعت لحديث نبيلة منيب الذي اثار الكثير من ردود الافعال واستعمل استعمالا خبيثا من طرف الجهات التي قررت فيما يبدو قتل نبيلة رمزيا، ومعها حزبها وما تبقى من اليسار، في اطار ميل متعاظم مند سنوات لافراغ الساحة السياسية من كل تعبير معارض خارج التاطير البوليسي والمخزني وخلق الفراغ، بحيث لايبقى المجال مفتوحا الا لمن يسبحون بكرة واصيلا بالمخزن ويلهتون وراء ما يتصدق عليهم به من بقايا وفتات، ولا يبقى من التعددية التي تاسست ببلادنا في عهد الحجر والحماية وتم ترسيخها بنضالات مريرة وصمود اجيال من المناضلين الوطنيين والديمقراطيين الشرفاء في مواجهة مختلف الاعصارات التي هدفت الى اجتثاتها، لايبقى منها الا قطع ديكور تؤثت مشهدا قائم على تزوير كل شئ، وليس الانتخابات وحسب، تروم خداع الخارج وليس الشعب المغربي الذي لم يعد البعض يعيره اي اعتبار ويراهن على ارشاء هؤلاء وسجن اولئك بتهمة واحدة مشوهة للسمعة لاعادة الانسجام الى من يعتبرونهم قطيعا.
لست متفقا مع قالته منيب، وليست هذه هي المرة الاولى التي اختلف فيها معها، لكنني اعرف حدودي لانني امام راي لعالمة حقيقية لها تخصص دقيق في المجال الذي تتحدث عنه، ولست ممن يتطاولون على العلماء بالفدلكات واطلاق الكلام على عواهنه، وامام راي متداول في الوسط العلمي والطبي المتخصص مند بداية الجائحة وليس اجتهادا شخصيا معزولا لنبيلة منيب، وليس بمقدوري او بمقدور من لايملك نفس معرفة ومناهج اصحابه دحضه هكذا بجرة قلم او بكلام سائب حتى لو شعر انه يختلف مع ارتساماته او الراي الذي كونه بناء على اجتهادات وراي علماء الجهة المقابلة. وعدا ذلك، ومن خلال تتبعي للنقاش العلمي الجاري حول كورونا الذي يحركه الفضول والترقب اكثر من اي شئ اخر، فانني مقتنع ان الموضوع يستمر في اثارة الجدل، وان هذا الجدل يجري تحت ضغوط مختلفة، بما فيها النفسية التي كان باشلار سباقا الى استحضار اثرها في مسيرة العلوم وكذلك توماس كون الذي ترك لنا مفهوم البراديغم، ولا يمكن الحسم فيه الا بعد وقت طويل ربما، وبعد الكشف عن كثير من المعطيات غير المتوفرة او المحجوبة.
لقد نجح المخزن في خلق حالة من التشويش على منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي انتميت اليها وكنت من الجنود الذين بدلوا الكثير لدى تاسيسها وخسرت الكثير بسبب ارتباطي الروحي بها، واستعمل لممارسة ذلك التشويش من اكتشف الجميع انهم كانوا يشيرون يسارا لينعطفوا بمن تبعهم في اتجاه اليمين، ومن المؤسف ان ذلك التشويش قد تمكن من التسرب الى جسم المنظمة، وكانت النتيجة ان اصابها في مقتل ووجدنا انفسنا بعد مسار من العمل والتضحيات كالايتام يبحث كل واحد منا عن طريق عودة الى الاصل، وبعيدا عن القراءات المبتسرة والذاتية لهذه التجربة، فان الانشقاق كان ناتجا عن ذلك التشويش وماتلاه من تشويش ذاتي وليس عن موقف من الدستور شكل نهاية معارك عبثية وردود فعل ذاتية لسنوات.
استحضرت تجربة المنظمة لانبه مناضلي اليسار الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار، التي امل ان تخطو ولو خطوة رمزية نحو الانذماج، الى خطورة التاثر بالتشويش الذي انطلق قبل الانتخابات المقبلة، لان النتيجة ستكون اسوا مما حصل في المنظمة في ظروف مغايرة ضعف فيها حلفاؤنا السابقون او انحرفوا وتخلت فيها النخب عن دورها، واستهداف نبيلة منيب ليس شخصيا فقط وانما يهدف الى هدم بيت من بيوت ماتبقى من معارضة وممانعة. احدر قبل فوات الاوان و”اطالب” كمواطن باعادة توجيه النقاش داخل اليسار الى المجرى الذي يجب ان يسير فيه طبيعيا للحفاظ على شعلة امل.
محمد نجيب كومينة / الرباط