إدريس الأندلسي
بينما كنا نتكلم عن بشاعة الجريمة الصهيونية بغزة ذكرني الفنان الكبير مولاي أحمد العلوي ، صاحب الروائع اللحنية، بأوبريت غزة التي مضى على تلحينها و غناءها أكثر من 15 سنة. وضع هذا الفنان الأصيل كل ثقافته الموسيقية ، و كثيرا من غضبه و رفضه للظلم ،في هذا الإبداع . استفزني نسياني فرحت أبحث عن الاوبريت ، وجدتها و غصت في بحرها الهائج لحنا و ايقاعا و أصواتا تعكس تضامن كل الأجيال مع قضية لا يمكن أن نضعها أبدا في خانة النسيان . و تساءلت لماذا يتم تغييب الفن الملتزم بقضايا الأمة و تلك التي تهم الإنسانية جمعاء. إذاعة هذا العمل الإبداعي يشكل، في ظل هذه الظروف، قوة تحدث رجة في القلوب و الأفئدة لتذكر بحقيقة الصهيونية التي تستغل الانشقاقات بين الدول العربية و الإسلامية لنشر الدمار.
تجمع حول هذا العمل ،الذي يصف مذابح الصهيونية في غزة قبل سنوات من الجرائم الحالية، كثير من الفنانين يتقدمهم القيدوم الفنان عبد الهادي بلخياط. سخر صاحب ” القمر الأحمر و الشاطىء و البوهالي و ذاك الإنسان. ..” نبرات صوته الشجية و القوية لوصف العنف الصهيوني و لاستنفار الهمم إيمانا أن الفعل من أجل تغيير واقع خير من قبول دور الضحية منذ أكثر من قرن و نصف قرن من الزمن الإستعماري. أطلق قلبه أمرا لحباله الصوتية لتبعث رسالة من ملايين المسلمين في غزة. أبدع مولاي أحمد العلوي عبر إيقاع فيه الكثير من العزم و جمل موسيقية سكنت التعبير عن ” يد مشلولة مغلوبة ” و تساؤل ” فين العقيدة و اليقين ” في وسط هذا الدمار. ثم يستمر عبد الهادي بلخياط في رسم صورة المذابح الصهيونية ليؤكد أن ” الصهيون عديم الضمير” لانه ” يقتل و يعطش و ييتم أطفال تسبح في الدم” .
تنطلق أصوات مريم بلمير و ليلي البراق و فؤاد الزبادي و الراحل الغاوي و الإعلامية اسمهان عمور و مجموعة تكدة و مجموعة من الأطفال لترسم لوحة تشبه لوحة” غيرنيكا” لبيكاسو المعبرة عن الدمار. ” صواريخ مثل الأمطار، تهدم أحياء، نهار محنة و ليلها نار” . ما أشبه جرائم بني صهيون بعضها ببعضها منذ 75 سنة. و ما أكبر صمود الشعب الفلسطيني و ما أعظم التضامن العالمي الشعبي و حتى الرسمي الذي قلب كل قواعد اللعبة. دماء الأطفال و النساء و الشيوخ تكتب التاريخ من جديد و تقلب الطاولة على إسرائيل و صناعها من الأوروبيين و الامريكان. الدمار طال الفكر الصهيوني و اللوبيات و كل مزوري التاريخ. و لا زال الفن الملتزم سلاحا من أجل التنوير و ترقية الذوق الثقافي و التأثير على الوعي الإنساني.