ارسلت للتو في طلب حمان الفطواكي، ليلحق بنا في الدار البيضاء ، وعزمت على أن أكون صارما معه . بادرته بالسؤال عن أحوال أرسلت ، للتو ، في طلب حمان الفطواكي ليلتحق بنا ، في الدار مراكش وسير الأمور فيها ؟ وضعية التدبير ، والاحتياطات المتخذة لأجله ؟ لم يخبرني باتصاله بمولاي الشافعي ، ولا بمسألة القنابل ، التي كانت التهديد ، في مراكش . كل هذه الأشياء لم يثرها معي . فقلت له : مخزونه عند حسن ، ولا بطلبه من الحبيب البركة تحرير رسائل – إن هناك أشياء تحدث ، في مراكش ، بشكل مرتجل بعيد عن التحري ، الذي كنا دائما نلتزم به قبل تطبيق أي عملية ، وسيكون لذلك الارتجال عواقب وخيمة على الوضع في المدينة . وليس لك الحق في اتخاذ مبادرات فردية ، وهذا ، في نظري ، لعب الصبيان : ” الدراري ” . أثرت فيه كثيرا كلمة ” الدراري ” هذه ، ولما التقى بالفقيه البصري شكا إليه ذلك قائلا : – لقد نعت الجبلي عملي ب ” لعب الدراري ” . وكنت قد حدرثه ، مرارا ، من استعمال القنابل الست التي كان ينوي استعمالها ضد الخونة ؛ كما نبهته إلى أنها غير قابلة للاستعمال ، لأنها قديمة إحتفظ بها شخص منذ الحرب العالمية الثانية ، لذا وجب : تجريبها ، أولا ؛ وأنني قد سبق لي أن جربتها ، في بعض ” الخطارات ” ، في باب دكالة ، أو في منطقة النخيل الأكثر أمنا ، فلم تنفجر . عليه كل ناظر إليها . لهذا واجهته بصرامة ، وسألته : غير أن شكلها كان قد أغرى حمان لأن يستعملها ، كما كان يغري -لماذا اتصلت بمولاي الشافعي ؟. ولماذا أقحمتم في التنظيم عناصر تجرب في أي مكان . بدون احتياط ؟. هذا تصرف خطير ، خصوصا وأن تلك القنابل لا يمكن أن أنه عنصر أساس ، وهو شيء لا يمكن أن تنكره : فهو من الفدائيين الأفذاذ أدركت بأن حمان لم يعد منضبطا ، كما كان ، لأنه أصبح يحس ولهذا بدأ يتصرف خارج التنظيم ، ويتخذ قرارات فردية لتصفية بعض المقدمين ، والخونه ، وهو ما لم نكن نتفق عليه ، ربما كنت مخطئا ، في الأسلوب الذي استعملته معه ، لأننا كنا ضد التعرض لهؤلاء العملاء التافهين ، فيما العمليات التي كانت ذات أهمية بالنسبة إلينا هي تلك الاي لابد أن يكون لها وقع بالغ على جهاز الإدارة الفرنسية .
والواقع أن الخطر الذي تعرضت له الحركة ، في مراكش ، لم يختلف عن الخطر المحدق بالحركة ذاتها في المغرب كله ، ومرده إلى أن الأفراد ، الذين عهد إليهم بالقيام بأعمال فدائية كانوا بسطاء ، قليلي الخبرة ، ومتهورين شيئا ما ، وهو ما كان يعرض أكثرهم للأخطار ، أثناء تنفيذهم لمثل هذه الأعمال المعقدة ، برغم التنبيه الذي وجهناه لهم ، لم تكن هذه العناصر تعير أهمية لتوجيهاتنا : حذرناهم ، مثلا ، من مغبة جمعهم للمال ، وأخبرناهم بأننا مستعدون إلى أن نزودهم بما يحتاجون إليه ، في الوقت المناسب ، فما عليهم إلا أن ينسقوا معنا . برغم ذلك وصلتنا معلومات عن ضمهم لعناصر إلى التنظيم لم قبل ، بموافقتنا . تحظ ، من هذه أشياء ربما كان سببها الغرور ، الذي أصاب مجموعة حمان الفطواكي ، والذي أصر على استعمال إحدى هذه القنابل ضد بائع ، في سوق السمارين بمراكش ، إلا أنها لم تنفجر ، بل ذهب ضحيتها حاملها المدعو حسن ، فكان أن ألقي عليه القبض ، وهو ما أدى إلى انكشاف أمر التنظيم برمته ، فحدث ما كنت قد توقعته . لم تكن للمدعو حسن أي سوابق ، ولم يكن من ضمن عناصر التنظيم ، ولذلك بلغ ، إثر تلقيه الصفعة الأولى ، عن مولاي الشافعي ، الذي اعترف بدوره باتصاله بحمان الفطواكي ، وبعناصر أخرى ، منها مولاي مبارك لعريبي ، ومجموعة حمان ، وكل من ألقي القبض عليهم ، إلا الذين تمكنوا من الفرار . لم يكن لحمان من مخرج سوى الفرار إلى الدار البيضاء ، ولما وصل لم أكن موجودا فيها ، فاتصل بالفقيه البصري ، وأخبره بما وقع في مراكش ، وما ترتب عن ذلك من اعتقالات . حين عدت إلى الدار البيضاء أخبرني الفقيه عن مجيء الفطواكي ، وعما وقع في مراكش ، وعن إلقاء القبض على حسن ، وعلى بعض العناصر معه ، ومنهم الحسين لبزيوي . وكان أن اقترح البصري على حمان أن يبقى ، في البيضاء ريثما تهدأ الأمور ، لكنه رفض ، وفضل العودة للتحري عن الأشخاص الذين تم اعتقالهم ، وعن المنتمين إلى التنظيم ، المبحوث عنهم من لدن سلطات الحماية رجع حمان الفطواكي، الى مراكش ، وهو إجراء لم أغفر للفقيه البصري إقدامه عليه ؛ إذ لمته لوما ثقيلا على تفريطه في حمان بالسماح له رجع حمان الفطواكي إلى مراكش ، وهو إجراء لم أغفر للفقيه بمغادرة الدار البيضاء ، وكأنه رمى به في مراكش إلى حتفه رغم أن الفقيه البصري ألح عليه أن يبقى في الدار البيضاء ، إلا أن تعتقل بعد ، وأنه سيبعث ببعض الأسلحة إلى الدار البيضاء ، ولما أخبرني حمان برر رجوعه بأنه مكلف بالبحث عن مكان آمن للعناصر ، التي لم الفقيه برجوعه إلى مراكش ، قلت له : – هذا غير معقول ، سيلقى القبض عليه ، لا محالة ذلك ما حصل بالفعل . لما وصل حمان إلى مراكش إتجه ، للتو ، إلى بيته ، وسأل جيرائه هل حضر من يسأل عنه في غيبته ؟، فنفوا . لم يكن في مستطاعه أن يعرف بأن لجهاز الأمن إستراتيجيته ، التي يتقصى بها الحقائق ؛ لم يكن يعرف أن ذاك الجهاز يحرص على ألا يثير الشكوك بتحركات مشبوهة ، وأنه يستعمل عناصر بلباس مدني حتى لا يثير أية شكوك حوله ، وبمجرد ما دخل حمان إلى داره قرعوا الباب . خرج فألقوا عليه القبض . فما كان منه إلا أن ابتلع السم ، وكان رجال الشرطة يتوقعون هذا منه ، حتى لا يقضي بين أيديهم ، مثلما قضى آخرون . ولذلك بادروا إلى أخذه إلى المستشفى ، وغسلوا معدته ، ثم اقتادوه إلى مخفر الشرطة للتحقيق معه . بعد ذلك تمكنوا من القبض على مجموعة من العناصر . على النحو التالي : أما عن تفاصيل محاولة اغتيال دهوثفيل ، في مراكش ، فقد جاءت كان علال امكيك ضعيف البنية ، وكان ينتمي إلى مجموعة سيدي يوسف بن علي . وكان يقوم ، صحبة مجموعة من المناضلين ، بحراسة مبارك لتأمين ظهره ، وإخباره بمن يتعقبه ، فجاءت عملية دهوثفيل ، التي تقرر أن يتكلف بتنفيذها مبارك ، المتمتع بالشجاعة ، وبثقة الجميع ، وبإنجازه للعمليات بدقة وإتقان .
استسهل علال امكيك العمل ، الذي كان يقوم به : أي حراسة مبارك ، دون أن يعي أن دوره كان مهما ، كذلك ، استسهله لبساطة تفكيره ، وعدم تقديره للمهام والتنظيم المنوطين به ، ولذلك قرر أن يسبق مبارك إلى تنفيذ العملية ضد دهونفيل ، في جامع الفناء نهارا ، وهو وقت ألف فيه المستهدف الخروج ، راجلا من منزله بدار مولاي علي الواقعة أمام الكتبية ، إلى كشك الجرائد ، الموجود بالقرب من ” كافي دو فرانس ” ليشتري الصحف كان من المقرر أن يصفيه مبارك قرب كشك الصحف بجامع الفناء ، برغم تشديد الحراسة على الساحة ، خصوصا في ذلك الوقت من النهار . لكن استسهال علال امكيك لما أنيط به جعله يدخل في استباق لا رجاء فيه . على كل حال ، سبق علال مبارك ، وأخرج مسدسه ، وصوبه تجاه رئيس الناحية دهوثفيل ؛ أطلق طلقة ، فأصابه بجراح نقل على إثرها إلى فرنسا ليتلقى العلاج . هرع بعض الناس ذاهلين ، محاولين إلقاء القبض عليه ، لجهلهم بتفاصيل ما كان يجري ، ولما بدأ يهددهم بالمسدس فروا ، فتمكن ، هو أيضا ، من الفرار ، لكنه ترك دراجته الهوائية أثرا شاهدا عليه : تركها مركونة بالقرب من مكان العملية ، فأخذها رجال الشرطة ، وبحثوا عن صاحبها إلى أن اكتشفوا أنها في ملكية ” الدراجي ” ، وأنها كانت مكتراة منه . توجهوا إلى ” الدراجاتي ” ، واستجوبوه ، فأبلغهم عن اسم علال امكيك . فكرت آنذاك عناصر التنظيم في تهريبه من مراكش ، وبعثه إلى الدار البيضاء ، فأقله إليها بوجمعة لقرع على متن ” الطاكسي ” . كنت قد هيأت لعلال منزلا يستقر فيه . ولما تمت عملية اعتقال الفطواكي وجماعته ، وافتضح أمر الباقين ، وعلمت أن بوجمعة ، الذي كان ضمن المعتقلين ، قد علم بمحل سكني علال اضطررت إلى تغيير مكان سكناه ، لأنني كنت أتتبع هذه المسائل ، كحلقات السلسلة ، حينما شرع في نقل متاعه ، من السكن الأول إلى سكن ثان ، استعان بعربة ، وهو ما سهل على رجال الأمن الاهتداء إليه من خلال تحريهم عن النقال . استنطقوه ، فدلهم على الدار الأخرى ، وبذلك ألقي القبض على علال وأخذ إلى مراكش .
قبل اعتقال جماعة حمان الفطواكي كانت جماعة أخرى قد اعتقلت في مراكش ، ومن ضمن عناصرها عمر بنونة ، وويسعدن : بائع الصحف أمام باب محطة ” الستيام ” ، ومعهما عناصر أخرى . ولكي يطمئن رجال الشرطة إدارتهم الفرنسية وباقي المعمرين بأنهم يقومون بعمل جاد وجدي ، كانوا يأتون بالمعتقلين ، ويرغمونهم على إعادة تشخيص العمليات المنفذة سابقا : مثل قتل مونيي وتيفا وغيرهما ، فيكونون ملفا يعرضونه فيما بعد ، على أنظار المحكمة العسكرية . والحصيلة ، أنه لما ألقي القبض على حمان اقترح عليه محاموه أن ينفي أنه قام بتلك الأعمال ، وأن العناصر الأخرى هي وحدها المتورطة ؛ لكنه رفض ذلك . وفي الحقيقة لا يمكن لأي أحد أن ينكر أن حمان كان ، من الناحية الأخلاقية ، رجلا نبيلا . نال إعجابنا كثيرا ، بعد أن أخبرهم بأن الأسماء التي عرضت عليه ، إنما هي لأناس أبرياء ، ولا علاقة لهم بما وقع ، برغم ملفهم الذي أثبت اعترافهم ، في المحكمة ، بأن تلك الأعمال منسوبة إليهم . فيما صرح بأنه هو من قام بجميع تلك الأعمال ، وليس غيره .