حكيم لمطارقي
الأزمة الإقتصادية العالمية باقية وتتمدد! كل حيل خبراء الوصفات الاقتصادية في ورطة حقيقية، في تفاعلها مع مخلفات أزمة كوفيد 19 ثم مع نتائج حرب روسيا/ اوكرانيا/ الغرب.
هي أزمة مركبة بكل معاني الكلمة، وأصبحت نظريات اقتصاد الأزمة في أروقة الدول الغربية وفي كواليس المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، في عجز إن لم نقل في شلل أمام تشعبات عواقب الوضع الحالي. فكلما جيء بحل أو “لقاح” سياسي واقتصادي ما، قهره جلال الأزمة بضربة واحدة، وهكذا تساقطت كل الحلول لحد الساعة، ابتداء من ضخ الأموال في الخزانات العمومية، إلى الرفع من انتاج مواد الطاقة، إلى فرض العقوبات على روسيا، إلى التهديد بفتح موانئ اوكرانيا من قبل الناتو للسماح للقمح بالسباحة نحو العالم كبير الفم والمعدة، خصوصا في الدول الفقيرة، وفي هذا الصدد عبرت فرنسا هذا الأسبوع عن رغبتها في المشاركة في ذلك، مما يعد سيناريو خطير قد يؤجح الحرب ويوسعها أو قد يدفع لحلحلتها.
حلول كثيرة طرحها مدبرو قوت العالم، غير أنها تصطدم حينا بجبروت الرصاص الروسي، وحينا بتعنت مخلفات كوفيد 19 على الزوال، ومن أهم المخلفات التضخم العظيم الذي يضرب دول العالم، منها ما وصل إلى أرقام تاريخية قياسية كأرقام تركيا، حيث وصل التضخم نسبة تتجاوز 70 في المائة.
الخيارات معدودة، والحيل تكاد تستنفذ، ولم يبق سوى الأمل والرجاء في أن تخمد روسيا صوت مدافعها وقنابلها، وفي أن يتراجع فيروس جائحة كوفيد 19 عن إخافة البشرية، وهي مقبلة على صيف اقتصادي لعله يضمد بعض جراح السنتين المنصرمتين.
المغرب ليس بلدا خارج الكرة الأرضية، وإنما هو في قلبها النابض الحي. هو في ملتقى طرقات الشرق والغرب المتصارعين. ورغم كل الصعوبات فإن للحكومة حيلها الالتفافية على الأزمة الإقتصادية الخانقة، أزمة ارتفاع الأسعار الغذائية والطاقية. بالفعل الحكومة تشتغل لصد تغول الأزمة، من خلال تفعيل حلول مالية، وإن كانت صعبة جدا ومرهقة، غير أنها تسعف في توقف نزيف قدرات المغاربة على الشراء والاستهلاك والإنتاج.
المواد الأساسية تحظى بدعم غير مسبوق في خطة شبيهة ب”حيد من هنا واعط من هناك”، بمعنى رغم عدم انخفاض أسعار المحروقات، فإن جزءا مهما يدفعه دافعو الضرائب، يعود إلى الخزينة لدعم الدقيق، والبوطا، و الزيت وغيرها.
وفي نفس التوجه، فضلت حكومة عزيز أخنوش التضحية بمداخيل بعشرات الملايين من الدراهم، من عائدات ضرائب ورسوم استيراد القمح والمواد المكونة لزيوت المائدة، من أجل استقرار أثمنتها وفي سبيل الحفاظ على استطاعة شرائية مقدور عليها من قبل المواطن المغربي.
هذه الإجراءات هي طبعا إجراءات آنية مستعجلة، تضحي بموارد ضريبية من أجل هدف واحد، هو الاستقرار الاجتماعي وليس غير ذلك. هكذا فإن الدول الكبيرة عند حدوث أزمات كبرى، فإنها ترجح كفة الأولويات الإجتماعية على حساب الأمور الاستثمارية التي يمكن إرجاؤها إلى وقت الرخاء، والتي ليست من الأولويات، وتبقى ثانوية أو تكميلية أمام مخاطر فقدان الخبز والزيت والسكر وغيرها من المواد.
لحد الساعة وبشهادة خبراء اقتصاد عالميون، من خلال تقارير وأوراق تحليلية تعدها المؤسسات المالية العالمية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها من المنظمات ومراكز البحث، تؤكد صمود الإقتصاد المغربي، واستقرار السوق المغربية، مقارنة مع دول كثيرة أصبحت في مهب ريح المجاعة أو الفوضى الاجتماعية بسبب الغلاء والتضخم، وهذا حسب الخبراء راجع بالدرجة الأولى إلى بنيات الاقتصاد المغربي الصلبة، وإلى وجود رجال أعمال وطنيون، وإلى حلول جريئة تقوم بها الحكومة المغربية.