من الحكايات العجائبية الشعبية التي استهوتني بما تفيض به من رمزية ودلالات عميقة ، ما يُحكى ان الدنيا تشكلت في صورة امرأة ساحرة فاتنة ، تمتلك كل سبل الجاه والسلطة والعلم ، وأخذت على نفسها ميثاقا غليظا ،وهو ان تلبي رغبات اول زائر ،من بني البشر ، طَرق بابها مبكرا ، فسَرى إليها الرجل الغربي وقت السَّحَر ، وظل ينتظر ويترقب إطلالتها ، حتى أقبلت عليه ، فطلب منها بأدب وإلحاح بأن تعطيه المال َوالعلم والسلطة ، فرحبت بإبكاره وإصراره ،ثم لبّت طلبه على الفور.
وبعد ذلك بوقت بعيد ، خرجت فيه الشمس من مشرقها ، وأرسلت على الأرض أشعتها و اشتدت حرارتها ، حضر الرجل العربي ،متثاقل الخُطا ، يجر ذيول الخمول والكسل ، فطلب منها، بغلظة ممزوجة بوقاحة ، ان تمنحه كنوز المال والعلم والسلطة ، فأجابته باستغراب واستخفاف ، بان مطلبه قد فاز به من قبل الرجل الغربي ،لانه حضر مبكرا ، فتحقق مطلبه كليا ، فذهل الرجل العربي ، لانه لم يكن يعتقد بوجود منافس له في هذا الوجود ، فكرر الطلب لكن بلهجة فيها توسل واستعطاف واستجداء ، غير ان الدنيا لم تكترث به ، ولمَّا أيقن العربي أنه لن يلوي على قِطْمير مما طلب ، اقترب من المرأة / الدنيا ، ونفش صدره ، وأبدى فحولته ، وأسال لعابَ شهوة ٍجارفة ، وطلب منها دون استحياء أن تمنحه على الأقل قُبلةً وعانقا.
حين نتدبر الحكاية من زاوية واقعنا العربي المعيش ، يتضح لنا ان الغربي بالفعل سبقنا مبكرا الى مواطن القوة ، وسبل التقدم ، فتحقق له الطلب والمبتغى ، فعلَّم وطور وابتكر ، وتاجر واستثمر وعمَّر واستعمر .
أما العربي ،فقد تخلف عن الموعد ، حتى غادره الركب ُوابتعدَ ، فما نفع ولا انتفع ، فما صنع في حياته الا انه أخرج من صلبه أشكالًا من البقر على شاكلة البشر ، تنوعت صفاتهم ما بين : اكول وجهول ، ونائم وناقم ، ومتأفف ومتطرف، وسابت وعابث ،ومارق وسارق ..فما نالوا من دنياهم الا اللهو والعبث والفجور والمجون ..
ووقائع التاريخ تؤكد ان كل سابق ينعم بسَبْقه ، وكل متُخلِّفٍ يعيش تخلفه ذلا وعارًا وهوانًا .
محمد خلوقي