*إدريس المشترائي
يكتسي موضوع تنفيذ الأحكام الإدارية أهمية خاصة في العمل القضائي ذلك أن هذه الأحكام تكون في مواجهة الشخص المعنوي العام الذي هو بمفهوم المادة 8 من القانون 41-90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية،الإدارات العمومية للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وجميعها تحظى بامتياز السلطة العامة وبالتالي فإن الدعوى الإدارية تتسم بعدم المساواة بين طرفيها مما يجعل مهمة القاضي الإداري صعبة تتطلب منه التدخل في إطار حياده الإيجابي لخلق توازن بين طرفين غير متكافئين في الدعوى أحدهما شخص طبيعي أو معنوي خاص والثاني شخص معنوي عام.
ولعل إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية ليست وليدة اليوم ولكنها بدأت مع إحداث الغرفة الإدارية بمحكمة النقض سنة 1957 التي كانت تختص بدعاوى الإلغاء فقط دون دعاوى القضاء الشامل التي كانت تختص بها المحاكم العادية قبل إحداث محاكم إدارية شرعت في عملها سنة 1994 ولم يتضمن القانون المحدث لها مسطرة خاصة لتنفيذ الأحكام الإدارية بحكم طبيعتها وأطرافها وإنما اكتفى من خلال المادة السابعة منه بالإحالة على قانون المسطرة المدنية الذي تطبق فيه مسطرة التنفيذ على القضايا المدنية بصفة عامة وبالتالي فإن تطبيق بعض وسائل التنفيذ الجبري في مواجهة الإدارة واجهت صعوبات كبيرة خاصة الغرامة التمهيدية والحجز على الأموال العمومية واختلف اتجاه المحاكم الإدارية في شأنها بين مؤيد ومعارض،إلا أن العمل القضائي من خلال بعض اجتهاداته أقر بأن الحجز على الأموال العمومية والغرامة التهديدية جائز في مواجهة الإدارة من أجل إلزامها بالتنفيذ.
إلا أنه عوض التوسع في استعمال وسائل التنفيذ الجبري من أجل تنفيذ الأحكام الإدارية جاء القانون المالي لسنة 2020 في مادته 9 التاسعة ليشكل تراجعا عن مكتسبات العمل القضائي واجتهاداته ليمنع الحجز على الأموال العمومية وأعطى الإدارة صلاحية برمجة المستحقات أو المبالغ المحكوم بها خلال مدة 4 سنوات من تاريخ طلب التنفيذ بعلة أن الميزانية العامة السنوية لا يمكنها أن تتحمل تنفيذ الأحكام بشكل فوري وتلقائي نظرا لعبء الديون المتراكمة وتفاديا لتأثيرها على النفقات العمومية وميزانية التسيير السنوية،إلا أن العمل القضائي في بعض أحكامه وقراراته سار على نهج قابلية الأموال العمومية للحجز متى تبث أن ذلك لا يؤثر على السير المنتظم للمرفق العمومي،وأن جزءا من هذه الأموال يجب أن يخصص لتنفيذ الأحكام الإدارية،ولم يساير بذلك كليا المادة السالف ذكرها.
ولعل التقارير السنوية لمؤسسة الوسيط تؤكد أن إشكاليتي تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاعتداء المادي تأتي في مقدمة الاختلالات التي تتكرر دون أن تتدخل السلطات الإدارية لإرجاع الأمور إلى نصابها ويظل دور هذه المؤسسة الدستورية محدودا مالم تتوسع صلاحياتها ويصبح تدخلها يكتسي دورا تنفيذيا في إطار القانون واحترام مبدأ فصل السلط عوض الاقتصار على دورها الاستشاري وليس التقريري،وقد نصت المادة 32 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 17 مارس 2011 بإحداث مؤسسة الوسيط وهي مؤسسة دستورية ينص على ((إذا اتضح أن الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي صادر في مواجهة الإدارة، ناجم عن موقف غير مبرر لمسؤول أو موظف أو عون تابع للإدارة المعنية،أو إخلاله بالقيام بالواجب المطلوب منه،من أجل تنفيذ الحكم المذكور،قام الوسيط برفع تقرير خاص في الموضوع إلى الوزير الأول بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعنية لاتخاذ ما يلزم من جزاءات لازمة ومن إجراءات في حق المعني بالأمر)).
ولكن مع الأسف فإنه من الناحية الفعلية فإن الإدارة تستغل نفوذها وامتياز السلطة العامة للإمتناع عن تنفيذ الأحكام ولا تتخذ في حقها عقوبات أو إجراءات تأديبية فمن منا سمع بأن مسؤولا عن قطاع معين كان رئيس مؤسسة أو مديرا مركزيا أو جهويا أو رئيس جماعة ترابية وقع إعفاؤه أو متابعته بتحقير مقرر قضائي أو تم إيقافه أو عزله بسبب الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي،لذلك فإنه من الناحية الواقعية فإن أجهزة الرقابة والتفتيش يظل دورها شكليا فقط ، دون اتخاذ قرارات صارمة حتى في حق وزير إن امتنع عن التنفيذ فالأحكام القضائية تستمد قوتها وتصدر باسم جلالة الملك السلطة الأعلى في المغرب من الناحية الدستورية وباسمه تصدر الصيغة التنفيذية وبالتالي فإن الجميع ملزم باحترام الدستور ومبدأ المشروعية مهما كان موقعه ومسؤوليته.
وقد اعتبر القضاء في عدد من أحكامه أن امتناع الشخص المعنوي العام عن تنفيذ حكم قضائي بدون موجب حق فيه مساس بقدسية الأحكام وانتهاكا لمبدأ فصل السلط ويشكل عملا غير مشروع يبرر طلب التعويض عن الضرر لفائدة المستفيد من الحكم في مواجهة الشخص المعنوي العام،كما اعتبر أن عدم موافقة السلطة المحلية على منح الإذن باستعمال القوة العمومية أحيانا بدعوى أن من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام دون بيان وتعليل مظاهر ذلك الإخلال يؤدي إلى إفراغ الأحكام القضائية من محتواها وتجريدها من قدسيتها وبالتالي يتحقق العكس هو أن عدم تنفيذ الأحكام هو الذي يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام وليس العكس.
إن المادة 9 من القانون المالي لسنة 2020 مخالفة لمقتضيات المادة 126 من دستور 2011 التي تنص على أن الأحكام النهائية ملزمة للجميع ولم يستثني منها الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وبالتالي فإن منع الحجز على الأموال العمومية لا يمكن أن يكون مبررا لعدم تنفيذ الأحكام القضائية وإلا اعتبر الأمر تعارضا مع الدستور،ويزيد من التعقيد هو عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة مما يجعل مسؤولية الامتناع عن التنفيذ ليست شخصية وإنما هي مسؤولية مرفقية تتحملها الدولة وبالتالي فإن مصدر القرار يكون في منأى عن المساس بوضعيته المالية والإدارية شخصيا وفي منأى عن أي متابعة تأديبية أو قضائية لأن الأمر يتعلق بتحقير مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به وإلا فإنه لا فائدة من منح حق لانفاذ له لأن العدالة لا تحقق إلا بتنفيذ الأحكام لا بصدورها فقط ولو كانت منصفة.
ومما يؤسف له هو أن القضاء يتبنى أحيانا موقف الإدارة السلبي من تنفيذ الأحكام ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش تحت رقم 493 بتاريخ 5/3/2020 في الملف عدد 2270/7202/2019 قضى بتأييد الأمر الابتدائي القاضي برفض المصادقة على الحجز بعلة أن محضر الامتناع المستدل به لا يستشف منه أي امتناع صريح عن التنفيذ بالرغم من أن المصادقة على الحجز لا تحتاج إلى محضر الامتناع إذ يكفي عدم الاستجابة للإعذار ومرور الأجل القانوني عن تسليمه من طرف مأمور التنفيذ للإدارة ليقوم بإجراءات الحجز دونما حاجة إلى امتناع صريح من طرف الإدارة طبقا لمقتضيات الفصل 491 من ق م م الذي يشترط فقط توفر سند تنفيذي لإجراء حجز ما للمدين لدى الغير.وجاء في أمر استعجالي صدر عن المحكمة الإدارية بمراكش مؤداه أنه ليس بالضرورة أن يكون الامتناع صريحا من طرف الإدارة للمصادقة على الحجز،و هذا الأمر صدر بتاريخ 15/1/2020 في الملف الاستعجالي رقم 69/7103/2019 وتضمن في تعليله “حيث إنه من جهة أولى وخلافا لما أثارته الجماعة المحجوز عليها فإن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية يأخذ أشكالا وممارسات مختلفة ليست بالضرورة أن يعلن المنفذ عليه عن رغبته الصريحة في عدم تنفيذ الحكم حتى يمكن القول بوجود امتناع عن التنفيذ وإنما يكفي أن يصدر منه تباطؤ أو تراخ أو تلكؤ في التنفيذ للتحقق من هذه النتيجة السلبية”وبناء على هذا التعليل قضت المحكمة المذكورة بالمصادقة على حجز ما للمدين للغير، وقضت نفس المحكمة في قضائها الاستعجالي بالمصادقة على الحجز في حكمها رقم 10 الصادر بتاريخ 16/06/2021 في الملف الاستعجالي رقم 09/7103/2021 بتعليل كالتالي (وحيث إما بخصوص الدفع بعدم ثبوت امتناع المحجوز عليها فيبقى مردودا عليه ذلك أنه وكما استقر على ذلك الاجتهاد القضائي فالامتناع عن التنفيذ لا يكون بالضرورة صريحا،فإنما قد يستنتج ضمنيا من خلال عدم مبادرة المنفذ عليه إلى التنفيذ بعد إعذاره بذلك،وحيث إن الحجز لدى الغير موضوع طلب المصادقة قد صدر بشأنه محضر حجز ما للمدين لدى الغير المنجز من طرف مفوض قضائي استناذا إلى سند تنفيذي متمثل في القرار القضائي المشار لمراجعه أعلاه) وهذا الاتجاه هو الصواب لكن نفس المحكمة خالفته في الأمر الصادر تحت رقم 62 بتاريخ 11/12/2019 في الملف الاستعجالي رقم 61/7103/2019 القاضي برفض طلب المصادقة المؤيد بمقتضى القرار الصادر في الملف الاستعجالي الاستئنافي رقم 2270/7202/2019 المحكوم بتاريخ 05/03/2020 ،وبنت تعليلها على عدم الإدلاء بمحضر الامتناع كشرط سابق يؤسس عليه محضر الحجز،مخالفة لذلك مقتضيات المادة 491 من قانون المسطرة المدنية التي تشترط فقط توفر سند تنفيذي لإيقاع حجز ما للمدين لدى الغير،رغم إدلاء طالب الحجز بإعذار قانوني وبسند تنفيذي مؤسس عليه محضر الحجز ورغم توفر تصريح إيجابي.
ولعل الدولة تدرك أهمية الموضوع لكنها عاجزة عن التصدي بالفعالية والصرامة المطلوبة رغم سبقية صدور منشور عن رئيس الحكومة تحت عدد 2015/2017 مؤرخ في 7/12/2017،موجه إلى الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين، حول إحداث لجنة وزارية لمعالجة إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية المتعلقة بأشخاص القانون العام والغاية منه الحث على إيجاد حل ناجع للإشكاليات المرتبطة بتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام والإنكباب على السبل الكفيلة للحيلولة دون تنامي المنازعات التي تتسبب فيها الإدارة من جهة،وعلى كيفية تأمين الدفاع عن هذه الأخيرة على أحسن وجه من جهة أخرى،وقد نص المنشور على إحداث لجنة وزارية يترأسها رئيس الحكومة لمعالجة هذه الإشكالية،وتتكون من أهم القطاعات الحكومية التي يعنيها الأمر بصفة أساسية،إضافة إلى الوكالة القضائية للمملكة وينبثق عن اللجنة الوزارية لجنة تقنية تتكون من ممثلي السلطات المذكورة تكلف بتحضير النصوص القانونية والمقترحات بقصد عرضها على اللجنة الوزارية.
واعتقد أنه لو تم تفعيل هذا المنشور وتنزيله على أرض الواقع لكان من شأنه الرفع من وتيرة تنفيذ الأحكام الإدارية التي غالبا ما يمتنع الشخص المعنوي العام عن تنفيذها وبشكل خاص الإدارات العمومية الشيء الذي أدى إلى ارتفاع وثيرة المنازعات مع الإدارة في غياب إطار قانوني متكامل يأخذ بعين الاعتبار خصوصية التنفيذ في مواجهة الإدارة،إذ لا معنى لأن يصدر مثلا حكم نهائي بإلغاء قرار عزل موظف وتمتنع الإدارة عن التنفيذ بإرجاعه إلى عمله أليس هذا ظلم كبير وتشريد لأسرة كانت تنعم بالاستقرار والطمأنينة هذا مثل بسيط عن عمل غير مشروع ترتكبه الإدارة حينما تمتنع عن تنفيذ حكم،لكنها تظل بدون مساءلة أو عقاب لفراغ في التشريع،فالاستخفاف بتنفيذ الأحكام هو قمة الاستهتار الذي يهدد قدسية الأحكام ويفقد الناس الثقة في اللجوء إلى القضاء ومقاضاة الإدارة.
إن إشكالية تنفيذ الأحكام بصفة عامة والأحكام الإدارية بصفة خاصة كانت دائما محط اهتمام من طرف الممارسين والمهتمين والباحثين في المجالين القضائي والقانوني،ونورد بالمناسبة بعض الآراء في الموضوع،أستهلها بمقتطع من تدخل الدكتور إدريس الضحاك الرئيس الأول لمحكمة النقض السابق في ندوة العمل القضائي،والمنازعة الضريبية يوم 8 مارس 2005 المنشور بدفاتر المجلس الأعلى ـ العدد 8 ـ جاء فيه حرفيا ” بقاء حكم أو قرار عادل بدون تنفيد،يعني أن العدل لم يتحقق لأن المحكوم له،يظل في نفس الوضعية قبل الحكم لفائدته،وإذا اعتبرت السلطة القضائية ثالث السلط فإنها أضعفها ،إذ أن عملها يمول بالتشريع الصادر عن السلطة التشريعية،كما أن قراراتها تستمد قوتها في التنفيذ من السلطة التنفيذية،فإذا كان القانون لا يؤدي إلى الإنصاف أحيانا فعيوبه يتحملها من نطق به أي القضاء،في حين أن المسؤولية ليست له أيضا …..انتهى كلام الدكتور إدريس الضحاك”.
إذا كان القاضي المدني أو الجنائي،يعتمدان على القوة العمومية لتنفيذ الأحكام كحبس المحكوم عليه،أو طرد المكتري المتماطل في أداء الكراء،فإن القاضي الإداري مهمته تتمثل في الحكم على السلطة التي تكون تحت إشرافها القوة العمومية،وقد اعتبر الدكتور عبد الله حداد،أستاذ باحث في مجال القانون الاداري في مقال حول ظاهرة عدم امتثال الإدارة لأحكام القضاء،يقول فيه”بأن عنصر الإلزام في تنفيذ أحكام القضاء في المغرب لا يكمن بالنسبة للأشخاص العموميين في الاستعانة بالقوة العمومية،بل يجد أساسه في الأمر الذي يوجهه جلالة الملك طبقا للفصل 433 من قانون المسطرة المدنية،والذي يعتبر سلطة عليا فوق الجميع،فالوزير الذي يرفض الامتثال لحكم القضاء،يكون قد عصى أمرا مولويا ساميا،يستوجب مؤاخذته عليه ولا يمكن أن يعفى من الجزاءات،مهما كانت الحصانة التي يتمتع بها …إنتهى كلام الدكتور حداد))
ومن نماذج العمل القضائي هناك أحكام أصدرتها المحاكم الإدارية بخصوص إشكالية التنفيذ،هناك الحكم الصادر عن إدارية أكادير تحت رقم 18/2003 بتاريخ 9/1/2003 والذي تضمن في تعليله ((امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به دون مبرر يرتب مسؤوليتها عن الأضرار الناتجة عن الامتناع كما يعرضها لغرامات تهديدية لفائدة المحكوم له))وهناك الحكم الصادر عن إدارية مراكش تحت رقم 56 بتاريخ 24/10/2001 والذي جاء في تعليله ((إن الأموال العمومية التي ترصدها الإدارة مسبقا لتغطية التعويضات الناجمة عن نزع الملكية،تصبح أموالا خاصة،وبالتالي تكون قابلة للحجز عليها))والحكم الصادر عن إدارية الرباط تحت رقم 134 بتاريخ 6/3/1997 الذي جاء في تعليله(( لا يوجد أي نص قانوني يستثني الإدارة من الحكم عليها بالغرامة التهديدية في حالة امتناعها عن تنفيذ حكم قضائي في مواجهتها))وكذلك الحكم الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم 3/98 بتاريخ 28/5/1998 الذي جاء في حيثياته((بموجب المادة 7 من القانون 41-90 والفصل 448 من قانون المسطرة المدنية،لرئيس المحكمة ان يفرض غرامة تهديدية،نتيجة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به،وفي غياب وسيلة بديلة لإرغامه على الرضوخ لمقتضيات الحكم المذكور))،إلا أنه بعد استئناف هذا الحكم،أصدرت الغرفة الإدارية محكمة النقض قرارا تحت رقم 235 بتاريخ 11/3/1999،قضى بإلغاء الحكم الابتدائي وتصديا الحكم برفض الطلب،وبذلك تكون الغرفة الإدارية قد تراجعت عن توجهها في قرارها السابق رقم 1301 بتاريخ 25/09/1997 معللة ذلك كما يلي : ((وحيث إنه إذا كانت الجماعة القروية التي ألغي قرارها بعزل الطاعن قد امتنعت عن تنفيذ الحكم المذكور،رغم سلوك المعني بالأمر الإجراءات المسطرية لحملها على التنفيذ،فإنه لا يمكن إجبارها على التنفيذ عن طريق الغرامة التهديدية،ما دام القضاء الإداري،قد اقتصر على إلغاء قرارها الذي اعتبره متسما بتجاوز السلطة))، ولمعرفة خطورة الأثار المترتبة عن هذا القرار الذي علق عليه الدكتور عصام بنجلون المنشور بالمجلة المغربية ـ ريمالد ـ العدد 71/06،في مقال تحت عنوان ـ المسؤولية الشخصية للموظف عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة ـ يقول حرفيا ((تنصيص الغرفة الإدارية في حكمها على وجوب اقتصار القاضي الإداري بمكناس على مجرد إلغاء القرار الضمني الصادر بالرفض وكذا مطالبة المدعي،المتضرر الإدارة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء عدم إرجاعه إلى عمله يعتبر قمة في اللامبالاة،وخرقا سافرا لمبدأ المشروعية فكأنما الغرفة الإدارية تستبيح استمرار وضعية غير قانونية مقابل مبلغ مالي ،وهذا لعمري،يشكل خطرا كبيرا على مسار القضاء الإداري ببلادنا،وتناقضا صارخا مع خطاب العهد الجديد الذي يضع في أولوياته ترسيخ دولة الحق والقانون…انتهى كلام الدكتور بنجلون)).
وقد جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية بتاريخ 14/10/2016 أنه ((من غير المبرر لأن يبقى القضاء في ظل النصوص القانونية المتاحة مكتوف الأيدي ومستسلما أمام ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية،كما أن المواطن يشتكي من طول المساطر القضائية ومن عدم تنفيذ الأحكام وخاصة في مواجهة الإدارة)).
وفي موقف متميز للأستاذ مصطفى السيمو رئيس المحكمة الإدارية سابقا بالرباط وهي محكمة تنفيذ بامتياز بالنظر إلى عدد الانتدابات القضائية التي تحال عليها على اعتبار أن الوزارات وغالبية الإدارات والمؤسسات العمومية متواجدة بدائرة نفوذها،إضافة إلى القضايا التي تختص بها مكانيا ونوعيا،هذا الموقف يخلص إلى ((أن أحكام قانون المسطرة المدنية فيما يتعلق بالتنفيذ تبقى واجبة التطبيق لأنها لم تميز الإدارة عن باقي المنفذ عليهم وبالتالي لا يمكن أن تطبق أحكام قانون المسطرة المدنية في حالات ونعطلها في حالات أخرى فإعمال النص أولى من إهماله كما يقال)) مضيفا في عرضه المهم بإحدى الندوات المقامة حول موضوع مستجدات تنفيذ أحكام القضاء الإداري قائلا (( ولهذا فإنني لا أتفق مع توجيه قضائي يعتبر أن امتناع الإدارة عن التنفيذ ينبغي أن يكون صريحا وصادرا عن رئيس الإدارة بصورة شخصية تحت طائلة عدم الاعتداد بهذا الإمتياز وتبعا لذلك عدم المصادقة على الحجز لدى الغير أو عدم الحكم بغرامة تهديدية والحال أن الامتناع بهذا المفهوم ليس ضروريا،كما أن التصديق على الحجز لدى الغير لا يتوقف قانونا على تحقق امتناع عن التنفيذ بل على وجود سند تنفيذي لم يدل المدين بما يثبت براءة ذمته منه “.
وخير الختام قولة شهيرة وهي درس لمن يحتقر حكما أو مقررا قضائيا بالامتناع عن تنفيذه،للزعيم البريطاني الخالد تشرشل أوردها الدكتور المرغيني في مقدمة مؤلفه ((القضاء الإداري ومجلس الدولة الفرنسي))وذلك بمناسبة إصدار القاضي حكما جريئا يمنع بموجبه القاضي الإداري الطائرات الحربية والحرب العالمية الثانية قائمة،من استخدام المطار القريب من المحكمة،أثناء انعقاد الجلسات لأن في ذلك مساس بحرمة المؤسسة القضائية،إذ قال تشرشل وهو رئيس الوزراء وصاحب السلطة التنفيذية في زمن الحرب((لابد من تنفيذ الحكم،فإنه من الأهون أن يكتب في التاريخ أن انجلترا قد هزمت في الحرب،من أن يكتب فيه أنها امتنعت عن تنفيذ حكم قضائي))وهذا نموذج لاحترام حقوق الإنسان،واحترام العدالة والقضاء وقدسية الأحكام نتمنى أن يدرك أبعاده فلسفته ومعناه،كافة المسؤولئين بالمرافق الإدارية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية،لأن تلك المرافق ليست ملكا لهم يتصرفون فيها حسب إرادتهم ورغبتهم،ذلك أنهم ملزمون بخدمة المواطن والمصلحة العامة والانصياع لتطبيق القانون،فاحترام الإدارة للقانون يدفع المتقاضين بصفة عامة إلى احترامها،وإلى الثقة في القضاء والعكس صحيح و المطلوب خروج تشريع إلى حيز الوجود خاص بتنفيذ الأحكام الإدارية لخصوصيتها وطبيعة أطرافها وعدم الاقتصار على مسطرة التنفيذ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية الذي تحيل على إجراءاتها المادة السابعة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ،وذلك في أقرب الآجال إذا كانت النوايا فعلا تسير في اتجاه ترسيخ مفهوم دولة الحق والقانون إلى واقع حقيقي معاش وليس إلى شعارات فضفاضة،تخدم الواجهة ولا تنفذ إلى العمق ذلك أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام الإدارية يحبط الجهود المبدولة من طرف القضاء الإداري بمختلف درجاته في إصدار أحكام وقرارات واجتهادات قضائية تكون في غالبيتها متميزة ورفيعة المستوى في تعليلها القانوني وتشرف العمل القضائي بصفة عامة.
إدريس المشترائي
* محام بهيئة أسفي