إدريس بوطور
( لولا المشقة ساد الناس كلهم ** الجود يفقر والإقدام قتال )
إنه بيت من قصيدة عصماء لشاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي ، بيت شعري إنبجس نبعه بعد صراع طويل مع جلاميد التجارب الصلدة التي مر بها والتي جعلت من شعره دروسا وعبرا وحكما ** والسيادة التي قصدها المتنبي والتي تحصل بعد لأي ومشقة ليست بسيف مسلط على الرقاب أو بكنز المال وتبخيس المحتاج صحته وكرامته وماء وجهه ، بل إنها تأتي عبر مسلكين لا ثالث لهما ، مسلك رئيسي يتفرع عنه مسلك فرعي ، فالمسلك الأصلي هو الجود والكرم ، وأغلب الناس تخاف منه لأنه يؤدي في نظرهم إلى الفقر ، أما الفرعي فهو الإقدام والمبادرة لإغاثة المستجير والملهوف دون مساومة فذلك جزء من الكرم ** والسيادة التي قصدها المتنبي في هذا البيت هي امتلاك حب الناس واختراق شغاف قلوبهم بالسخاء والجود والمبادرة إلى إغاثة المستجير ** السيادة المقصودة هي أن يحترمك من تدبر شؤونهم في عملك وبيتك وأن يقدرك الجار والصديق والرفيق دون مصلحة أو محسوبية **فالسيادة تأتي عن طريق الجود كل حسب إمكاناته دون من أو أذى ، فالقليل من الجود يحفظ ماء وجه افراد أسرة بكاملها لا يسألون الناس إلحافا ، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ،** والجود ليس تبذيرا واسرافا بل أخلاقا قبل أن يكون مبادرة مادية ، فهو إفشاء السلام والكلمة الطيبة والابتسامة في وجه الآخر وعدم الكبر ومصاعرة الخد للناس وكظم الغيظ والصبر أمام رعونة ووقاحة بعض البشر، فكم من كريم ذي أخلاق فاضلة ملك القلوب وساد المهج والوجدان في بيته وبين جيرانه ومجتمعه ، وكم من ثري حريص على جمع المال والبخل يعيش خائفا متوجسا ليل نهار والكل يتربص به الدوائر ** فالسيادة تأتي بالجود والكرم والاخلاق ، وعندما أراد الله أن يصف نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام لم يصفه بحسبه وأرومته بل قال ( وأنك لعلى خلق عظيم )