إدريس الأندلسي
بعد إمتحان خرج وزير أمام إعلام و قال كلاما أعتبره الكثيرون أنه بعيد عن ممارسة السياسة بشكل مسؤول. كلام أي وزير يشكل خطابا يظن الكثيرون أنه خطاب دولة و مؤسسات. لذلك وجب التعامل مع كل القضايا بكثير من المسؤولية و التواضع. شبكات التواصل الاجتماعي بكل مستوياتها وجدت في موضوع نتائج إمتحان الولوج إلى مهنة المحاماة الكثير من عناصر النقاش و السجال . و لا زال الأمر مرشحا للتجاذبات بعد أن تتدخل هيئات المحامين في هذا الموضوع المرشح إلى كثير من التطورات.
مهنة المحاماة تحتاج إلى الكثير من المعارف و إلى القدرة على التعبير عن القضايا الحقوقية و على رأسها الدفاع عن حقوق المتقاضين. من يعتبر المحاماة مهنة تقنية يقع في أكبر الأخطاء. المحاماة مهنة عميقة المرامي واسعة المساحات الإنسانية. أن يتم تقرير قبول أو رفض رغبة طالب أو طالبة للولوج مهنة المحاماة على أساس إمتحان على الطريقة الكندية البليدة فهذا تدمير لهذه المهنة. المحامي لا يرافع بلغة الواتساب أو التلغراف و لا يبني مذكراته على الإجابة بسرعة كبيرة “بنعم أو لا ” أو إختيار جواب دون غيره في مجال يتطلب الكثير من التحليل و الاجتهاد و يفرض الكثير من الإختلاف. و السبب بسيط لمن لا يغرق في تفاصيل مسطرية و يخلط بين الاجتهاد و البحث القانوني و الإقتصار على تبسيط مواد تحتاج إلى عمق في القراءة للقانون و ربطها بواقع المجتمع و الإقتصاد و محيط الإجرام. أكبر المحامين في تاريخ المحاكمات كانوا مثقفين و ملتزمين و متمكنين من علوم أخرى لعلم النفس و الجريمة و حتى العلوم المالية. الأمر أكبر من مجرد جواب باختيار أرقام أجوبة توضع تحت السؤال.
المحامي يكتب المذكرات و يهيئ المرافعات و يبحث عن كل الوسائل المشروعة للدفاع عن الموكل. المحامي لا يمكن أن يكون بعيدا عن قضايا الوطن و المجتمع و حتى ممارسة العمل الحقوقي و السياسي. لو تعاملنا مع إمتحان تخرج الأطباء و المهندسين و الأساتذة بالطريقة الكندية لزادت الأمور سوءا . هل شكل و تقنيات الإمتحان على الطريقة الكندية و التي لا تستحق أن تدخل إلى ميدان إختيار الكفاءات كفيلة بضمان العدالة في إختيار من سيحمون حقوق المتقاضين. لو طبق الأسلوب الكندي منذ سنين لما كان الرميد و وهبي و غيرهم من ممن يعتبرون من “كبار” المحامين يحملون لقب محام و لا فتحت مكاتبهم و لا كانت محاكم المغرب تحتضن خبرات وصل مستواها إلى بلوغ مناصب عالية وطنيا و دوليا.
من يريد أن يمتهن المحاماة يجب أن تكون له قدرات فكرية و علمية خاصة و ليس وضعية اجتماعية أو سياسية خاصة. هناك شخصيات ذات تكوين قانوني و ذات موقع سياسي و ذات تجربة كبيرة يمكن أن تغني مجال المحاماة و قد خلق الرئيس الفرنسي ساركوزي بفتح هذا الباب ضدا كبار قضاة و محامي فرنسا. قد تكون هذه الشخصيات في أعلى المستويات و قد يسقطها نظام اليكتروني يسهر على نزاهته أعضاء لجنة من ضمنها قضاة لا يمتلكون وسيلة مراقبة نظام اليكتروني معقد و قد يكون مجهول الهوية . هكذا برر وزير العدل ” وهبي” ( حتى لا نخلط بين الإسم و العائلات و المراكز) بأن نظام تقييم من سيدخل إلى مهنة المحاماة موضوعي و غير منحاز و عادل. لن يقتنع بهذا الإختيار الكندي ذو عقل و منطق و تقدير للعلم و المعرفة. لا أؤمن إلا بالامتحان كتابيا و شفويا لإحقاق الحق أما غير هذا فلن أؤمن ابدا بأنه عادل. لو كان الأمر يتعلق بالرياضيات و الفيزياء و حتى الجغرافيا لاقتنعت بفاعلية النظام الكندي في الإختبار و الإمتحان. و هذا النوع الكلاسيكي لا يمنع إستعمال الأنظمة الإلكترونية عن بعد مع ضمان تواجد الممتحن في مكان غير معرض لتدخل من يمكن أن يكون سندا في مسلسل الإجابة عن الأسئلة.
على هامش هذا الإمتحان ظهر بالواضح ضعف الخطاب السياسي. اخفف وزير العدل و المحامي ” اللي لا باس عليه ” في مواجهة حركة اجتماعية تضررت من نتائج امتحانات الولوج إلى مهنة المحاماة. ليس كل من أعتبر هذا الإمتحان حقود أو كسولا أو ضعيفا أو غير ذي مستوى. و ليس كل خريجي كليات الحقوق دون مستوى خريجي كندا و الذين لم يدرسوا أي مادة من مكونات المنظومة القانونية المغربية من مساطر مدنية و جنائية. مغرب اليوم الذي يؤطر عمل مؤسساته دستور 2011 يرفض غياب الشفافية. تضرر المغرب كثيرا من وضع ” الرجل غير المناسب في المكان المناسب ” و يكاد يستمر هذا الوضع أسبوعيا من خلال تعيين المسؤولين المركزيين بعد إنتهاء أشغال المجالس الحكومي. الشفافية سلاح ضد معاداة المؤسسات و اضعاف منسوب الثقة فيها. خطاب سياسي لا يجيب على الأسئلة الحارقة التي تهم العدالة الإجتماعية في الولوج إلى سوق الشغل. لا يستطيع أن ينخرط في بناء مغرب الغد (للتذكير، آمن المغاربة بمنطق إختيار لاعبي المنتخب الوطني الذي أدخل الفرحة على قلوب المغاربة) ، إلا من أصبح دمه ممتزجا بقيم العدالة و قادرا على تنظيف الممارسة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية. المشكل أن نبني الثقة في المؤسسات و أن لا ننعت من يرفض نتائج إمتحان لممارسة المحاماة كضعيف و حاقد راسب و خريج كليات حقوق مغربية لا توازي الكنديات ،بأنه ضعيف و غير مؤهل للمرافعة أمام قضاة محاكم المملكة. مهنة المحاماة إستراتيجية في المنظومة القضائية للمملكة و تحتاج إلى الكثير من الكفاءات . الكل يعرف أن ملفات قضاء الأعمال و الجبايات و ملفات التحكيم الدولي تتطلب كثيرا من العلم و العمل. هناك لجوء كبير إلى مكاتب محاماة أجنبية مكلفة ماليا و خصوصا لتدبير قضايا مطروحة أمام المركز الدلي لحل النزاعات. هذه المستويات من الاختصاص لا يجب الحصول عليها عبر امتحانات تركز على أسئلة حول مساطر مدنية أو جنائية. و في الختام وجب الارتفاع بمهن القضاء إلى فضاءات أوسع لكي نقوي منظومتنا القضائية. نريد محامين اكفاء كما نريد محامين و أطباء و مهندسين و معلمين و فلاحين من المستوى العالي. و لا يجب إختيار الكفاءات عن طريق منهج كندي بسيط و متخلف عن متطلبات يوميا المغربي.