تفجرت العبقرية المغربية تضامنا شعبيا ورسميا حاشدا، وامتدت الايادي لتعانق ساكنة منطقة امليل وتمسح عنهم اثار ” الفضاعة” التي رماهم بها ذات ليلة حالكة أعداء الانسانية وكل ما هو جميل في الحياة.
جمعيات نسائية ومهنية وفعاليات حقوقية ومدنية اصطفت الى جانب ممثلي السلطات المحلية يتقدمهم والي جهة مراكش وعامل اقليم الحوز ومختلف روساء وممثلي الهيئات المنتخبة، وقد اجمع الكل على ان هول اللحظة وما اراده أعداء الانسانية والوطن لهذا البلد الامين ، لا يحتمل اي خلاف او تباعد ويستوجب اتحاد الجميع للتعبير على ان ما وقع بشمهروش ذات ليلة ليلى لا يمت بصلة لثقافة واخلاق المغرب والمغاربة ، وان ما اقترفه -أناس مع الأسف- محسوبون على ” تامغربيات” هو مجرد شذوذ عن الجماعة وأمر نشاز وسلوك دخيل .
ولان هذا الوطن مصر على البقاء وفيا لخصوصيته واستثنائه بالرغم من “وحشية الطعنة ” وفضاعة المصاب ، فقد اجمع الكل على ” الرفض الجماعي للارهاب الظلامي”، وبالتالي قرار عدم ترك ساكنة امليل لوحدها في مواجهة اثار الجريمة الوحشية وابتهال مناسبة ” يوم الجبل ” للانتظام في وقفة تضامنية بعين المكان مع الضحايا وأسرهم من جهة ومع ساكنة المنطقة من جهة ثانية.
كانت عقارب الساعة تلامس التاسعة من صباح اول امس السبت 22 دجنبر الجاري ، حين بدات طوابير المشاركين تهل على فضاءات المنطقة وتشق طريقها من مراكش اتجاه اقليم الحوز .
ببلوغ السوق الأسبوعي بجماعة “آسني” بدأت أشعة الشمس تذيب بكل تُؤدة الصقيع المتجمد على الأرض فاسحة المجال لنعومة الاخضرار. كي تشرئب مرحبة بمقدم الزوار على عادة ساكنة هذه الربوع والمناطق .
يلتئم السوق الأسبوعي بهذه الجماعة الجبلية منذ الفجر،يحج إليه معظم السكان على ظهور دوابهم في مسالك وعرة، ولا يلبث أن ينفض الجمْع، في حدود الزوال، من هذا الفضاء الواسع غير المنظم،الذي يحيط به سور من طين يتوسطه باب كبير على شكل قوس.
45 كيلومترا تفصل مراكش عن مركز جماعة “آسني”،التي تعتبر البوابة الرئيسة لمنتجع امليل حيث تنتصب قمة توبقال كحارس ازلي يسهر على مد شرايين الحياة لهذه الجماعة الموزعة ساكنتها ال21 الف نسمة على 54 دوارا .
وإذا كانت الطريق بين مراكش و عاصمة إقليم الحوز( تحناوت) قد أصبحت معبدة بجودة عالية بعد انتهاء عملية صيانتها،فإن حالة الطريق تتدهور بين تحناوت و آسني، على امتداد 17 كيلومترا، لتلامس عتبة الاهتراء مع بلوغ المنعرجات الجبلية الوعرة بين آسني وإمليل،الممتدة على حوالي 15 كيلومترا.
قرية إمليل تتعافى من الصدمة
يحاول سكان إمليل،التابعة لجماعة آسني،تجاوز صدمة الجريمة المروعة. البازارات ومحلات كراء ملابس ومعدلات الرحلات الجبلية تفتح أبوابها للتَّو ونظرات الحيرة والارتباك تشع من العيون المرحبة بجموع القادمين من سياح وزوار من مختلف الجنسيات وبقاع المعمور ،فيما المطاعم والفنادق الصغيرة غير المصنفة شرعت مبكرا في أعمال النظافة استعدادا لاستقبال يوم جديد .
تبدو المنطقة عصية على أهداف ونوايا ” الوحوش الآدمية” التي تسللت اليها في غفلة من الجميع ووجهت طعنات غدرها لاهم قطاع تعتمده الساكنة البسيطة ويمدها بشرايين الحياة ، حيث لم تؤثر الجريمة ” البلهاء” التي اودت بحياة السائحتين الدانماركية والنرويجية على إقبال السياح ولا على أسعار الخدمات المقدمة إليهم،لا ارتفاعا أو انحدارا، فكراء غرفة في فندق غير مصنف لا تتجاوز هنا 200 درهم لليلة الواحدة مع وجبة الفطور،ويقل السعر إلى النصف في المنازل المعدة للكراء،أما استعمال الدواب (البغال) لتسلق ممرات قمة توبقال الوعرة فيكلف بين 100 و120 درهما لليوم الواحد.
فالمهن المرتبطة بالسياحة هي النشاط الرئيس لسكان هذه القرية الجبلية، التي لا تسمح طبيعتها الجغرافية بإقامة نشاط فلاحي كبير،عدا تربية الماعز وغرس أشجار الجوز (الكَركَاع) والتفاح.
تنتهي الطريق المعبدة عند حدود مركز إمليل،التي يربطها مسلك طرقي مع أكبر دواويرها،”أرْمد”،وتعني بالأمازيغية “الدوار الكبير”،وقد كلف إنجازه أكثر من 370 مليون سنتيم،مولتها جهة مراكش ـ آسفي،ويمتد على 3 كيلومترات ونصف الكيلومتر،غير أن السياح يفضلون تسلق الممرات مشيا على الأقدام للوصول إلى “أرمد” ومن هناك باتجاه كهف “شمهروش”،في رحلة سير تستغرق حوالي ساعتين،أما الذين لا تسمح لهم حالتهم الصحية أو الوزن الزائد بهذه المغامرة الجبلية،فيمكنهم الاكتفاء بنزهة بشلالات إمليل.
الرحلة بين إمليل وأرمد تستغرق حوالي ساعة مشيا على الأقدام،يستريح السياح في “الدوار الكبير”،الذي يتكون من حوالي 280 عائلة،ويتزودون بالحاجيات الضرورية بقرية إمليل،قبل أن يستأنفوا مغامرة تسلق أعلى قمة في شمال إفريقيا.
فهذا المنتجع الجبلي الذي حبته الطبيعة بخاصية الجمع بين متعتي المناطر والمشاهد الجميلة الى جانب الهدوء والسكينة ما يشعر الزائر بالأمن والامان، حيث تتجول السائحات الأوربيات دون ازعاج او تطفل ، فيما شباب المنطقةمتأهبون لتقديم خدماتهم برحابة صدر والابتسامة لا تفارق شفاههم ، وحتى الأطفال يسعون جاهدا لاشاعة المرح واستقبال وفود الزوارببعض النباتات الجبلية ، ليصل توزيع الأدوار مداه بتصدي الرجال و كبار السن لخدمة التنقل بالبغال واقتراح غرف للإيواء ، في حين تلتقط أذن السائح عبارات الترحيب من لدن أرباب المطاعم الشعبية ، التي تعرض أطباقا شهية من لحم المعزي ، يتطاير دخانها داخل هذا الفضاء البارد .
طيبوبة ساكنة هذه الربوع يعكسها عدم ملاحظة او تسجيل اي مشاجرة في زحمة التنافس على استقطاب الزوار والسياح ، ودون ان تتندى عن اَي كان بعض مما يخدش الحياء من نابي الكلام .
خاصية تجعل إمليل مقصدا ومحجا مثاليا لمختلف الجنسيات والاعمار ، خاصة بالنسبة لهواة السياحة الجبلية ومتسلقي المرتفعات ، يجدون الترحاب الكبير والحفاوة من السكان المحليين ، وحتى عنذما يتيه بعض الوافدين في غياهب هذه المسالك والمرتفعات وتتقطع بهم السبل في مجاهل ممراتها ودروبها، فان شباب المنطقة جاهزين للالقاء بأنفسهم والمخاطرة بارواحهم لخوض غمار حملة البحث والانقاذ، لا يهنأ لهم بال ولا يستقر لهم قرار الا بانتشال الشخص المختفي من براثين هذه المرتفعات وإعادته لسكة الطرق المعلومة بدل المجهولة.
كثيرة هي الوقائع والاحداث التي يحفل بها سجل المنطقة والتي توثق لحملات إنقاذ دشنتها ساكنة امليل بحثا عن هذا السائح او تلك المتسلقة ، حيث يبلغ معدلات هذا النوع من التدخلات ما بين 6 الى 10 عمليات بحث وانقاذ سنويا، نجح خلالها أبناء المنطقة منانقاذ ارواح سياح اجانب، دون تمييز في ديانتهم او معتقدهم او جنسياتهم ، فكل ما يهم ويعني المتطوعون هو إنقاذ روح بشرية حلت ظيفة بين ظهرانيها، حيث يؤكد ابراهيم بويفراضن احد المتطوعين في هذا النوع من حملات الانقاذ بانه قد نشأ وترعرع بين هذه المرتفعات على حقيقة ” التعايش بين الاديان وان جميع من يفد على المنطقة يعتبر ضيفا عزيزا، أمنه من امن الساكنة وسلامته من سلامتهم”.، بحيث لا تتردد الاسر والعوائل في استضافة بعض السياح الاجانب ببيوتها وتفرد لهم حيزا وسط ابنائها، تقاسمهم الرغيف على قلته والزاد على شحه بهذه الربوع ذات الظروف الطبيعية القاسية.
اغلب الاسر تعيش بالاضافة الى ما تدره السياحة والانشطة الدائرة في فلكها على الزراعة ومنتوجات الأشجار المثمرة كالجوز ” الكركاع ” ، الإجاص، التفاح، الكرز و البرقوق هذه الأصناف الأخيرة تم إحداثها أخيرا في إطار المبادرة الوطنية للتمنية البشرية ، فضلا عن زراعة الذرة و الشعير في حيازات صغيرة .
لعل حميمية وألفة المكان ووشائج العلاقة التي تكونت على مر السنين بين السكان الأصليين لامليل ووفود السياح والزوار ، هي التي افشلت مسعى مقترفي جريمة القتل الوحشية بضرب القطاع السياحي في مقتل ، بعد ان انقلب السحر على الساحر وانطلقت افواجا من الزوار والسياح لزيارة المنطقة تعبيرا عن تضامنهم مع اهل وسكّان امليل.
فبالرغم من بشاعة الجريمة وتفاصيلها الوحشية ، فقد أبى العديد من السياح الأجانب و المغاربة إلا الانتظام في زيارات يومية للمنطقة عبر رحلات النقل السياحي ، أو بواسطة سيارات خاصة ، قبل التوجه إلى الشلال على ظهر الدابة بسعر يصل الى 30 درهم لكل فرد ، يقوم خلالها صاحب البغل بتنشيط الزبون من خلال ترديد مقاطع غنائية أمازيغية، بعضهم يستعمل الناي لإضفاء روح المرح على هذه الرحلة الجبلية.
و أفاد أحد سكان المنطقة ” أن زوار المنطقة يقلون خلال هذه الفترة من السنة ، حيث تتحول الأنظار إلى محطة أوكايمدن، لكن هذا لا يمنع من توافد بعض عشاق الرياضة الجبلية، فرداى أو جماعات، لكن منذ شهر أبريل و إلى حدود نهاية شهر شتنبر يشهد منتجع إمليل إقبالا كبيرا سواء من طرف المغاربة أو الأجانب، حيث خصص السكان محلا للإقامة و مطاعم، فضلا عن دكاكين مختصة في لوازم تسلق الجبال، وهي الرياضة التي تألق فيها بعض الشبان من إمليل.
و أكد المصدر ذاته، أن النقالين أصحاب البغال انتظموا في جمعيات حسب الدواوير لتنظيم المهنة حسب أيام الأسبوع ، يخصص لكل دوار يوم للقيام بالعملية و مرافقة السياح ، مشيرا إلى تواجد المرشدين الجبليين الذي يفوق عددهم ثلاثين شخصا يتقنون اللغات الأجنبية ، ويوجهون السياح عبر فجاج الأطلس الكبير ومنحدراته إلى منطقة توبقال.
و أكد مستثمر سياحي يتوفر على شقق معدة للكراء ، أنه ربط علاقات وطيدة مع زوار المنطقة ، منهم من أضحى يزوره بمنزله بمدن فاس، البيضاء والرباط، كما زار العديد من الدول الأوربية عند زبنائه الذين يفدون على المنطقة .
و أوضح المتحدث ، أن منطقة إمليل اشتهرت بالسياحة الجبلية و تسلق الجبال، ومنذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي أضحت تشهد إقبالا كبيرا ، سواء من طرف المغاربة الذين يفضلون قضاء العطلة الصيفية بالجبل ، و هناك من يأتي لزيارة ” شمهروش” ، حيث تعقد اكبر محكمة للجن وفق المعتقد الشعبي، باعتبار “شمهروش ” هو ملك ملوك الجن ،اليه يحتكم كل إنسية او انسي ممن تلبسهم مَس من الجن او تعرض لاعتداء من احد مردة الجان، وهو ما يمنح هذا النوع من السياحة بعده الروحي.
إسماعيل حريميلة / الأحداث المغربية