قاضي أولاد أبي السباع يتدخل لدى أعيان أولاد دليم من أجل الموافقة ، على إنشاء محطة لنزول الطائرات التي تحمل البريد الجوي نحو السنغال .
إنجاز هذا المشروع الهام كان يستلزم موافقة القبائل القاطنة في المناطق التي سيمر منها هذا المشروع ومن بين هذه القبائل قبيلة أولاد دليم المحاربة التي اعترض أعيانها على مرور هذا المشروع بأراضهم، ولذلك بعث هانري غادن (Henri Gaden) والي موريتانيا آنذاك المقيم في مدينة أندر (Saint Louis) السنغالية رسالة مؤرخة في 13 رجب 1341هـ/ 1 مارس 1923م إلى قاضي أولاد أبي السباع العلامة الأجل محمد يحظيه بن عبد الباقي الحسني يطلب فيها منه التدخل لدى شيوخ قبيلة أولاد دليم لمساعدة القبطان رواﮒ (Roig) على إنشاء محطة جوية في بلادهم قرب مدينة نواذيبو لنزول الطائرات التي تحمل البريد الجوي إلى السنغال وذلك قصد الاستراحة والتزود بالوقود.
بدأت رحلات “رايد لاتكوير” منذ العام 1918م لنقل البريد وإنشاء خط جوي بين فرنسا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، حيث اكتنفها العديد من المصاعب لأن الطيران حينها يفتقر إلى الوسائل الحديثة ويتطلب توفير وسائل بشرية ومادية هامة.
في يناير 1921، تم وضع القبطان جوزيف رواﮒ (Joseph Roig) تحت تصرف الخطوط الجوية لاتيكوير (Latécoère) كرئيس مصلحة في المغرب.
وبفضل عمله إلى جانب المارشال ليوتي (Maréchal Lyautey) ومصالح الإقامة في المغرب، والسيد والتر (M. Walter)، المدير العام للنقل والمواصلات (P.T.T)، وهو مؤسس الطوابع الجوية في المغرب، والعقيد غادن (Colonel Gaden)، حاكم موريتانيا، وولد عبد الباقي قاضي أولاد أبي السباع، وأمير الترارزة، فإنه استطاع أن يعطي دفعة حاسمة للخطوط الجوية لاتيكوير ((Latécoère.
في عام 1922، أجرى بمفرده استطلاعا لأراضي طرفاية (Cap Juby)، والداخلة (Villa Cisneros)، وأمتررت (M’Terert)، ونواذيبو (Port-Etienne)، مع توفير إمكانية التزود بالبنزين والنفط، وذلك باستخدام المركب الشراعي “لا فراسكيتا” (La Frasquita).
و عين من 3 مايو إلى 5 مايو 1923، رئيسا للبعثة المكلفة بأول بريد جوي بين الدار البيضاء وداكار، وقد تمكن جوزيف رواﮒ من إنجاز هذه المهمة بنجاح بمساعدة ثلاثة طيارين يقودون ثلاث طائرات من نوع (Breguet XIV) وميكانيكيّيْن اثنين ومسافر واحد من البحرية الاستعمارية بالمغرب
وإلى جانب القبطان جوزيف رويغ (Joseph ROIG) سار الرجل الأزرق، صديقه ولد عبد الباقي، قاضي أولاد أبي السباع، سليل النبي.
كان هذا الرجل كثير الصمت. ولكن عندما جاء القبطان لتحيته، في صباح رحيله، تلقى المباركة الشرعية، ترافقها هذه الكلمات: “أترك الهدوء، كابتن، ابني. الصديق الحقيقي هو الذي يأخذ اهتماماتك في غيابك. تذكر أني صديقك، فأسلك طريقك بالفرح”.
لقد غزا الكابتن رواﮒ الأرض. ولكنه مازال في حاجة إلى إخضاع القبائل التي لا تزال في حالة ثورة في هذا الجزء من أفريقيا. إخضاعها بواسطة الأسلحة؟ مهمة طويلة جدا وغير أنيقة جدا بالنسبة لهذه النياشين الحمراء للطيارين.
وبمساعدة العقيد غادن، الذي جمع ذات يوم قادة القبائل الأحد عشر التي تمتد أراضيها على طول الساحل من المغرب إلى السنغال. وخلال المفاوضات، وعد بخمسة فرنك لكل من القبائل. فقبل المحاربون هذه الصفقة الغريبة والمربحة، وأجروا بذلك سماءهم للفرنسيين. حتى أنهم وعدوا بمساعدة الطاقم في حالة ما إذا حصلت له صعوبة. وهكذا، حلق الكابتن رواﮒ، لعدة أشهر، فوق مرابط إفني، وأطلق في العلبة، حقيبة صغيرة تحتوي على إيجار قطعة من السماء الأفريقية: حفنة من كومة من الأوراق النقدية من فئة “مائة سوس”.
كانت الانطلاقة إلى داكار في صباح يوم 3 مايو 1923م، في أسوأ الأحوال الجوية. في كل ليلة تحتدم العاصفة، وفي كل ليلة كان من الضروري نقل الطائرات لحمايتهم من العواصف والأوراق التي تطير مثل الطيور الضخمة والخطيرة. (…)
وفي 5 مايو / أيار، في الساعة الثالثة بعد الظهر، أرسل من داكار البرقية: “إن المهمة قد أنجزت، كل شيء على ما يرام”.
وبعد مرور عامين، سيفتح خط منتظم، وستصبح المحطات الصغيرة توقفات. ولكن على ثمن ما من التضحيات. غورب (Gourp)، الذي قتله الرقيبات؛ دي باليير (des Pallières)، الذي أحرق حيا في نواذيبو؛ رين (Reine)، سجن ثلاث مرات من قبل البيضان؛ ريغل (Riguelle)، قتل؛ مورو (Moreau)، قتل؛ بوري (Bury)، قتل؛ غويولوت (Guyollot)، سيرفين (Sirvin)، جالاديو (Jaladieu)، مارساك (Marsac)، قتلوا؛ وغيرهم كثيرون …
ونجا كل من: ميرموز (Mermoz)، غيلومي (Guillaumet)، سانت اكسوبيري (Saint-Exupèry)، ليدخلوا عالم الأسطورة.