إدريس الأندلسي
هل تكفيكم أشلاء الأطفال المتناثرة لتقتنعوا أن إسرائيل لا يمكن أن تجعل من المطبعين إخوانا أو أصدقاء.
هل تكفيكم قوة الدمار و اتساعه لتقتنعوا أن التطبيع يزيد من رغبة إسرائيل في تدمير العالم العربي و الإسلامي.
هل تكفيكم الرغبة الجامحة لإسرائيل في اهانتكم و استعراض عوراتكم في ساحات و مسارح و محاكم و قنوات تليفزيون الغرب لكي تنسحبوا بهدوء من التطبيع.
هل تكفيكم كل عمليات التجويع و التعطيش و منع الدواء و الأكسجين عن مستشفيات غزة و تقتيل المرضى و الأطباء لكي تفهموا أن التطبيع مع الحيوانات المتوحشة غير الآدمية مستحيل؟
هل تكفيكم آلاف الجثث و آلاف الاشلاء و آلاف المنازل المهدمة و آلاف الآمال المحطمة و آلاف الجرحى و آلاف اليتامى و آلاف المرحلين، لكي تفهموا أن إسرائيل ليست صديقة لأحد و لا تحب أحدا و لا تتمنى إلا السيطرة عليكم أيها المطبعون الظاهرون و اؤلئك المحتجبون من وراء ستار.
هل تكفيكم مظاهر تكالب الغرب على قطعة صغيرة في أرض فلسطين و تقاطر زيارات تقديم الطاعة لإسرائيل من طرف من يحكمون من واشنطن و باريس و لندن و برلين و روما. يحكمون شعوبا وتحكمهم إسرائيل و تحرك سفنهم الحربية و حاملات طائراتهم و تامرهم بتقديم المزيد من الأموال و لو تطلب الأمر تقليص ميزانياتهم في الصحة و التعليم و الإستثمار. هل اخترتم التطبيع أم قلتم نعم لمن أمركم بالتطبيع.
شعوب الأرض جميعا لا تريد التطبيع مع مجرمي إسرائيل و لكن مع دول تحترم المبادىء التي بدونها لا توجد الأسس لبناء علاقات إنسانية حقة. أوروبا صاحبة الإجرام الأساسي أرادت خلال القرن الماضي التخلص من اليهود. كفرت عن ذنوبها اتجاههم بسرقة كبرى و ظلم بين للفلسطينيين. ظلم و ظلمات النازية و أغلب طغاة أوروبا الإستعمارية تصرفوا بجهالة في أرض شعب في محاولة لغسل ما اقترفوا. عملت سيدة العالم قبل قرن، إنجلترا و دول أخرى ،على خلق الايديولوجية الصهيونية لإبعاد اليهود عن أوروبا. و كثير من المؤرخين اليهود يعرفون أن الاستيلاء على أرض فلسطين صناعة مسيحية أوربية اعترض عليها اليهود الأرثودوكس و تفضحها الأبحاث التاريخية التي قام بها اسراءليون و يهود من كبار الباحثين من أمثال ” هنري اطلان ” الذي بين بالوثائق أن ” اليهودية كانت آخر ديانة تم اختراعها ” . و نفس الحقيقية عبر عنها الباحث الإسرائيلي ” شلومو ساند” حيث بين أن مفهوم ” الشعب اليهودي” صناعة أوروبية مسيحية و ليست يهودية. فمع تريدون التطبيع.
إسرائيل ليست وطنا أريد له أن يكون لليهود. إن الأمر أكبر بذلك بكثير. إسرائيل لا دستور لها و لا حدود و أعراف حقوقية. حدودها اليوم مؤقتة و الهدف الإستراتيجي هو التمدد شمالا و شرقا إلى الخليج و غربا إلى شمال افريقيا. و يريد المطبعون أن يقنعوا الشعوب أن إسرائيل لا تريد إلا العيش في سلام و الرجوع إلى ما سمي بسمو مبادىء ” الإبراهيمية”. قديما علمتنا الكتب أن الذئب لا تسكنه أية رأفة بالحمل، و يأتي اليوم من يريد أن يقنعنا بأن إسرائيل قد قبلت بحل الدولتين. كذبة كبيرة صدقها الزعماء بمن فيهم الشهيد عرفات.
إسرائيل لها مفهوم واحد للتطبيع هو اخضاع جميع شعوب المنطقة. أين نحن من اتفاقيات وقعت في أوسلو و في واشنطن و في أوروبا قبل عقدين من الزمن. صورت الكاميرات عرفات و رابين و فرح أصحاب توزيع جائزة نوبل للسلام و قدموها للضحية و الجلاد بإسم السلام . و في ماذا يفكر من يسيرون مؤسسة نوبل بعد أن احتفلوا بسلام لم يأت لأن السلام لا يأتي عبر حفلات صنعها الغرب ليزيد من دوره في السمو بالعلم و الحضارة و الطهارة و اضفاء طابع الطيبوبة على منطقة صنعت كل الحروب و كل القنابل و كل المآسي. التطبيع خدعة صهيونية لفرض حل واحد هو استسلام الجميع و الركوع لإسرائيل ذات السند الأمريكي المتواطئ معها إلى النخاع. و هذا هو التطبيع شكلا و مضمونا و سياسيا و اخلاقيا و واقعيا. كيف أطبع مع أبشع أشكال الإجرام على الأرض. إسرائيل قد توقع على عهود و اتفاقيات و تستغلها لفترة ثم تدوس عليها و ترميها في سلة المهملات. و لا دولة ” متحضرة” و غربية ذات نفوذ قادرة على مواجهتها. بالأمس مزق مندوب إسرائيل تقريرا حول انتهاكات حقوق الإنسان بإسرائيل في ظل مجزرة غزة. خاطب هذا المجرم الأمم المتحدة بالسب و الاحتقار. وهم أمريكا هو حماية مجرمي الحرب الإسرائيلين مثلما حمت مجرميها و صانعي اعداءها في الحرب على العراق. و هل من رسالة أسمى من نقل الخبر، و هل جريمة اشنع من قتل أسرة ناقل الخبر. هذه صناعة صهيونية مدعمة من أمريكا كانت آخر ضحاياها شرين أبو عقلة و ثلاثين صحافيا في غزة و ابشعها تلك التي انتقمت من الصحافي واءل الدحدوح عبر اغتيال كل أفراد أسرته. الصهيونية عدوة نقل الخبر و عدوة التاريخ و صانعة الأعداء.
لكل ما سبق و احتراما للشعوب و للتاريخ و للثقافة و للأعراف الدولية، وجب على كل المطبعين بقرار سيادي أن يفكوا هذا التطبيع بقرار سيادي. الشعوب يسكنها هاجس احتقار الغرب و صنيعته إسرائيل للعرب و المسلمين و للإنسانية جمعاء. لا تظنوا أن فتح المطارات سيقوي التطبيع و السبب أن إسرائيل أقفلت باب العلاقات مع الجيران إلى أمد بعيد جدا. نحن في المغرب مقتنعين منذ الأزل أن فلسطين لن تظل تحت الاحتلال و أن اليهودي جزء من مكونات شعبنا و لا يمكننا أن نربط قضية وحدتنا الترابية بمساندتنا للقضية الفلسطينية. قوة وطننا تكمن في إيمان عميق و صلب و ثابت بوحدته الترابية. قد يقتنع بعضنا بأهمية إعتراف إسرائيل بوحدتنا الترابية و بإمكانية ربط هذا الإعتراف بتقوية ترسانتنا لمواجهة من اعتبرونا ” أعداء كلاسيكيون” و نحن نعتبر شعبهم حليفا كلاسيكيا. من يقتل أخي الفلسطيني و يستبيح أرضه و عرضه و أرواح أبناءه و لا يمتلك أية قيمة أخلاقية هو عدوي الأول. لن أطبع معه و لا أريد أن يكون ضمن المحيط الذي أعيش فيه. الشعب المغربي و مؤسساته قادرة على حماية وحدتها الترابية. لقد واجهنا عداء حكام الجزائر و كثير من الدول ك” كوبا و جنوب أفريقيا و حتى سوريا” في ظروف اقتصادية صعبة. و لككنا استطعنا أن نستضيف شنقريحة في امكالا و نلقن العسكر و ضباطه الذين تربوا على قيم فرنسا الإستعمارية دروسا في تدبير الحرب. و النتيجة أننا، و بفضل الإجماع الوطني و القيادة الحكيمة و الملتزمة بشعار ” المغرب في صحراءه و الصحراء في مغربها ” تمكننا من تحويل البوليساريو إلى رهينة لدى حكام الجزائر و الزامها برعاية ازلامها إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.
لزام على الدول التي طبعت علاقاتها مع الصهاينة أن تقرأ ما يجري في غزة و لبنان و مصر كل الدروس و أن تستنبط كل الحكم لمعرفة حقيقة إسرائيل. هذه الدول تضر باليهود و هدفها الإضرار بكل شعوب المنطقة. لقد فرضت فرنسا صمتا على كل الباحثين في التاريخ إلا ذلك التاريخ الذي ينتجه نجوم التلفزيون. لقد حكمت على البحث العلمي بكل ما يخجل فولتير ويضحك موليير و يبكي فكتور هوغو و يزيد غربة البير كامو و يؤرق كل مفكر يتغنى بعصر الأنوار. تمت محاكمة روجي غارودي حين شرح مرحلة اقدام النازية على جريمة المحرقة و حاول فضح كل الذين كانوا وراءها. دولة إسرائيل ليست سوى رأس الجبل الجليدي الذي يكاد يخفي استمرار من حكم بالاستيلاء على العالم منذ قرنين. و لنا في الأزمات الثنائية لبعض الدول التي كانت استعمارية مع مستعمراتها القديمة، خير مثال على استمرار فكر متعال و مستهتر بكل القيم و القوانين التي قيل أنه صنعها و أقسم على الإلتزام بها. و مهما كان، يمكن القول أن العالم يتغير و يؤكد أن الحقيقة المطلقة في الظرف الراهن هي ” اما أن نعيش جميعا أو نموت جميعا “. لقد تراكمت أسلحة الدمار الشامل و لا يمكن أن تظل مخزونا للتخويف في العلاقات الدولية. و في البدء وجب التطهر من التطبيع.