إدريس الأندلسي
يعرف الكثيرون من أبناء جيلي كيف ولدت الحركات ” الإسلامية ” في بلادنا. لا ينكر أي باحث نزيه في الفكر التاريخي و السوسيولوجي أن تكثيف دخول هذه الحركات إلى معترك السياسة بدأ، من جديد، في بداية العقد الثامن من القرن العشرين. و هذا الدخول كان له ارتباط ” عضوي” بمحاربة الحركات اليسارية و بما عرفته الساحة الأفغانية من حضور لافت على صعيد تحالف ” الاسلاميين بالأمريكان “. و لا ينكر قادة ” القاعدة ” تعاونهم مع مخابرات واشنطن . و بالطبع لا يمكن أن نقتنع بأن ما سمي ” بالدولة الإسلامية ” لم تكن تحظى برعاية أمريكية. لعل الأستاذ المحترم و رئيس الحكومة السابق و المطاح به بمباركة من قياديي حزبه ، يتذكر كيف ساهم في تسييس و محاربة منتدى ” فكر و حوار” الذي كانت تشارك فيه نخبة عربية و إسلامية من كافة الاتجاهات خلال بداية الثمانينات. شارك الرئيس المحترم في تعطيل الفكر النقدي الذي جمع، بشكل جميل، بين إمام القدس و شيخ العلمانيين و المؤرخين و أساتذة اجلاء في علم الإجتماع و التاريخ.
أمر إلى المهم، و في الخاطر و الذاكرة ، ذلك الهجوم على قاعة ” سمية ” التابعة لوزارة الشبيبة و الرياضة لفرض إيقاف الندوات خلال أوقات الصلاة. كنت أظن أن الأستاذ بن كيران قد تجاوز مرحلة الموجه الديني إلى مرحلة الفاعل السياسي و لو بعد أن تلقى ضربة موجعة ” لطموحه ” من طرف محيطه القريب. صدقت ” بكثير من الثقة ” أن رجوعه إلى الأمانة العامة لحزبه سيزيد من وعيه بأهمية السياسة. و لكن الأستاذ، و بعد أن أعطى إشارات أولى على اهتمامه بالسياسة الإقتصادية و بتدبير الشأن العام، رجع إلى عادته الأولى. أتساءل، مع الكثيرين الذين يريدون أن يعود حزب العدالة و التنمية إلى الساحة السياسية بقوة الإسهام الإيجابي في التدبير العام للبلاد، عن تحول ” الزعيم إلى فقيه ” تجاوزه المجتمع بكل معضلاته و مشاكله و تطلعات.
كنت و لا أزال أعتبر الأستاذ بن كيران من الأقربين إلى فكر الحداثة. و لا زلت أعتبره ذلك المغربي الذي يحمل هم مجتمعه. و لكنني أجد نفسي في حيرة حين أرى و أسمع الرجل ينسى كل المشاكل و المعضلات السياسية و الإقتصادية ليصب جام غضبه و تهكمه على الحركات النسائية و على كل الأحزاب و الشخصيات التي لا تتقاسم معه نفس الرأي حول إصلاح مدونة الأسرة. و لأن الأستاذ بن كيران ينسى و ربما يتناسى أن الديمقراطية تزيد قوة مع إختلاف الآراء، فلا يجد، فرملة أو لنقل غضاضة في مهاجمة ” رفيقه ” بن عبد الله و باقي أصحاب الرأي المخالف في قضية مدونة الأسرة.
أود أن انبه الأستاذ بن كيران أن مسلسل الإستماع الذي نظمته الهيئة التي كلفها صاحب الجلالة الملك محمد السادس كان طويلا و هادئا و حفته عناية تبتغي الإصلاح و التغيير الذي يتوق إلى حفظ كرامة كل أفراد الأسرة. أسمعك و أحاول أن أفرق بين الأستاذ و رئيس الحكومة السابق و بين من نصب نفسه ” وصيا” على الجميع و كأنه حكيما الحكماء و مجربا لكل ممارسات المجتمع. و أرجع لكي أذكر السيد الأستاذ بن كيران حول قضايا الأسرة. هل تدافع عن إغتصاب الزوجة من طرف زوجها؟ هل تقبل بسلطة الزوج الذي يجبر زوجته الأولى على القبول بزوجات اخريات؟ هل تقبل بجعل سلطة اللذة الجنسية سلطة ذكورية؟ هل تقبل بولاية ذكر على أسرة تعيلها امراة قد تكون عالمة أو طبيبة أو قاضية أو عضوة مجلس علمي ؟. هل تقبل بمقايضة المتعة الجنسية للرجل بصداق كيف ما كان ثمنه؟.
كلما ضاقت بك سبل العقل تقول ” قال ألله ” . قال ألله أن نتمسك بالعدل و المساواة ،لا أن ننزل بالدين إلى القياس بمستوى استجابة الأم لهيجان جنسي ذو طبيعة حيوانية، مع كل الإحترام لكل ما خلق الله من كائنات. لن أخفيك أنني لست مع القراءة الذكورية لكلام المولى عز و جل و العادل الأكبر. إلهنا المبدع و العادل لا يفرق بين مخلوقاته. الأنثى لها نفس الحقوق و لهذا كانت المرأة في حزبكم و لا زالت هي التي تجلب لكم المقاعد و الأصوات. و رغم ذلك، يظل بوانو، الرجل المحترم ، هو رئيس الأغلبية النسائية في فريقكم البرلماني.
أخاف أن يصل بكم الأمر، ولقد لمحتم بذلك، إلى وصف كل من لا يوافقكم الرأي، بمن يعادي القرآن. و هذا يبين بكثير من الوعي أنكم لبستم من جديد جبة الداعية و الفقيه و معادي حقوق المرأة و الأسرة المتراصة. قضايا الأسرة التي تزيد عددا و اشكالات أمام المحاكم ليست مرتبطة بقانون تم إقراره، إن الأمر أكبر بذلك بكثير و يهم عوامل ترتبط بالتعليم و بمكانة المرأة و بوعي المجتمع. استمرارية الأسرة ليست أمرا مرتبطا بسلطة رجل أو بإشباع غريزة جنسية يتبعها خنوع أنثى. و بما انك تتابع ما يحدث في بعض الأسر الفرنسية الكبيرة و للتي ذكرتها بخصوص حصص الإرث، فأعلم أن الظلم المرتبط بهذا الأمر خطير في بلاد المسلمين. و إن داخلك شك في الأمر فأعلم أن الذكر يستولي على الكثير و تحفه قواعد المجتمع و ثقافته الرجعية بكل العناية لكي يظل شامخا و لكي تظل الأنثى ضحية سلطة لا زال فكر متخلف متمسكا بها.
إن كان التدبير السياسي لا زال يستهويكم فالأمر يتطلب حشد طاقاتكم فكريا لكي تساهمون في حماية المغاربة ضد الهشاشة و الظلم و تقديم مشروعات في مجال السياسات الإجتماعية. أذكرك السيد رئيس الحكومة السابق أنك و أصحابك كنتم غير مسلحين بالعلم و السياسة و التجربة. سقطتم في بئر الإختيارت الليبيرالية و لم تجدوا في مكونات أغلبيتكم سندا. و لعل موقف اخنوش منكم و خصوصا موقفه الحالي من تدبيركم يبين أنكم أخطأتم موعدكم مع السياسة و مع المواطنين. و لهذا لا يجب تستعمل شماعة تغيير مدونة الأسرة للإكثار من الكلام و مهاجمة من لا يتوجهون إليكم بالكلام. المرأة أحق من الرجل اليوم بالولاية و بالحضانة و بتولي كل المسؤوليات. رجل السياسة اليوم يبكي على مغادرته لمنصب وزاري كبير، أو لازاحته من مسؤولية قيادية في حزب أو لضياع ” حقه ” في ممارسة الجنس مع ” مثنى و ثلاث و رباع..” تلك المرأة التي تسوق صورتها في خطاباتك لن تقبل من ذلك الذكر غير الإحترام و التعامل على أسس المساواة و خصوصا عدم اعتبارها مجرد آلة جسدية لاستهلاك متعة جنسية تتبعها خدمات منزلية و تربية أطفال. ” قل للزمان ارجع يا زمان” ..لا .