عبد الرحيم جدي
لعل المتتبع لاحتجاجات المحاميات /المحامين التي جسدتها مقاطعتهم للجلسات ووقفاتهم أمام المحاكم أو مسيرات بالشارع العمومي خاصة بأكادير .. مع وقفتهم الجامعة أمام محكمة النقض .. رفضا لمضمون البلاغ الثلاثي الموقع من قبل وزير العدل ورئيسي النيابة العامة و السلطة القضائية والذي ألزم كل من يهم بولوج محكمة الإدلاء بجواز التلقيح ..هذه الاحتجاجات تشي بحدوث تحولات عميقة في مكونات هيئات المحامين .. وتحفز الفضول إلى استشراف معالم تعاطيهم مع قضايا أخرى غاية في الأهمية تتعلق بتعديل بعض التشريعات ، ومعالجة أمراض مهنية وإعادة بناء صورة المحامي في المخيال الاجتماعي .. مما سأحاول الوقوف عند بعضه في هذه المقالة .
ولعل أول ما أبدعته هذه الحركة النضالية هو تكسير الحواجز بين تنظيمات المحامين المختلفة إذ التفت كلها على مطلب أساسي هو حماية حق الولوج إلى المحاكم بدون قيود غير مشروعة ..فسواء تعلق الأمر بمجالس الهيئات أو باتحادات المحامين الشباب أو بجمعية هيئات المحامين أو نقابة المحامين .. كل هذه الإطارات تعبأت من أجل نفس الهدف وهو ما خلق بينها نوعا من التنسيق والتكامل في الأدوار بين إعلان الموقف والدعوة إلى الالتزام به والسهر على تنفيذه .. تكامل كان من نتيجته أـيضا ردم الهوة بين فئات المحامين العمرية .. وريادة اتحادات المحامين الشباب للحركة الاحتجاجية على المستوى التنظيمي و حماية سقف معقول من المطالب ..مع تفعيل أواصر النضال الميداني مع نقابة وازنة لموظفي العدل .
وعلاوة على المكسب التنظيمي المذكور فإن أهم ما انتجته الحركة برأيي هو استعادتها لرسالة الدفاع عن الحريات والحقوق العامة إلى حاضنتها الطبيعية : المحاماة .لقد نزلوا بكل ثقلهم دفاعا عن سمو الوثيقة الدستورية وما أحالت عليه من مواثيق دولية وهو حدث سيكون له ما بعده إذ شكل نواة الحاضنة المدنية – نسبة إلى المجتمع المدني – لحماية المبادئ الدستورية ..وفي القلب منها الحريات الفردية واستقلال السلطة القضائية …
أما بالمنظور الظرفي – أو التكتيكي – فإن حراك المحامين الأخير أحدث رجة في موازين القوى بين الهيئات وجمعيتهم وبين الوزارة الوصية ومن يساندها . فبعد أن وقع البلاغ من قبل أطرافه الثلاثة أرسل إلى جمعية الهيئات للسهر على تنفيذه كما لو كانت عونا مأمورا وليست مكونا وازنا من اسرة العدالة مما يشي بوجود إرادة مبيتة لتطويع هيئات المحامين ، الحصن الأخير للدفاع عن الحريات والحقوق ، و عبرها تطويع كل بؤر الممانعة الحقوقية في المجتمع .
أعتقد أن ماجريات الحراك الأخير بوأت هيئات المحامين موقعا طليعيا في الدفاع عن الحريات وهو موقع مستعاد ومستحق بكل المقاييس إلا أنه يرتب مسؤولية وواجب الحفاظ عليه من خلال إعادة بناء الخريطة التنظيمية لجمعية الهيئات إذ المصير المهني مشترك و من غير المقبول لا أخلاقيا ولا حقوقيا السماح للوزارة الوصية بتوظيف أحد مكونات الجمعية الوازن لتصفية الحسابات معها وتقزيمها ..ومن الواجب كذلك الإستثمار في الروح النضالية المنبعثة لدى المحامين لطرح ومناقشة قضايا حارقة أبرزها تعديل التشريعات وإعادة ترميم صورة المحامي لدى الرأي العام ..و البحث في اساليب مبتكرة لتوزيع العمل/الدخل بين المحامين ..في أفق تكوين تصور حد أدنى مشترك بين جميع الهيئات للترافع من أجله مستقبلا ..