محمد الحبيب طالب
ثمة ثلاث مقدمات أو موضوعات يعتمدها “بؤس النقد” لهذا الحدث الفلسطيني الكبير الذي هز العالم، سأتناولها، ولو بالسرعة المطلوبة:
المقدمة الأولى، تُلح على إنزال القضية الفلسطينية من علوها في وضع ” المقدس”، لكي تصير قضية سياسية جارية على الأرض، وقابلة للنقد والحوار بلا إرهاب فكري(؟!). ولكي لا أخوض في تفاصيل بين ما هو مقدس عند المؤمنين، وما هو غير مقدس، أتساءل وأتعجب، هل كانت القضية عند الفصائل الفلسطينية والعربية وغيرها على هذه الصورة المقدسة وغير السياسية، عبر تاريخ التجربة النضالية الحية؟ هل كانت جميع تلك الفصائل تجتمع وتتناقش وتختلف على تفسيرات لآيات قرآنية أو إنجيلية، أم أنها كانت تمارس وتختلف على برامج واختيارات إستراتيجية ومواقف عملية(؟) يقينا عندي، أن ما كُتب من تقييمات وتحاليل وانتقادات فردية وجماعية، ومن كل الأصقاع، لم يكتب عن أي قضية تحررية أخرى في العالم. فلماذا إذن هذه المغالطة؟ قد لا يفسر نفسانيا على الأقل، هذه الفوبيا من “الإرهاب الفكري” كما يحسونها هؤلاء، سوى أنهم استخفوا في زمن الركود والتراجع، بالقدرات الخلاقة والفائقة لصمود الشعب الفلسطيني، و بالتجذر العميق لمكانة فلسطين في وجدان الشعوب العربية. وعندما وقع الحدث الذي هز كل ضمير حي، ووعي يقظ، كانت الصدمة عليهم قوية أربكتهم وتلعثم لسانهم. لم تكن القضية في أي يوم قضية إيمان وشعائر لا أكثر، لأن هيبتها السياسية، إن جاز القول، وكما يظهر، استمدتها من أنها كانت، وستظل، ركنا أساسيا من أركان الهوية القومية التحررية، ومن أول أدراج تقدمها . وبهذا المعنى، هي معركة وجود لا معركة حدود، كما تعلمنا في نشأتنا، والقصد من الحدود، أنها ليست بالشأن السياسي العادي الذي تعيشه كل المجتمعات. ولأنها معركة الوجود القومي التحرري، اكتسبت من هذه الخصوصية بالذات تلك القامة التاريخية، وذلك العلو والتجذر في الوجدان الشعبي.
والمقدمة الثانية: تُشدد على المطالبة الفورية ب ” علمنة القضية الفلسطينية ” قد لا يطرحونها بنفس التعبير، لكن حصيلتهم، أن القضية اليوم، تُقدم للرأي العام الدولي، الذي يهمهم أكثر من غيره، وكأنها صراع ديني ضد اليهودية، ولا حجة لهم في ذلك، سوى وجود فصائل فلسطينية (وبعض من يساندون القضية) ذات مرجعيات أيديولوجية إسلامية تحديدا. والتلويح دائما أن ذلك يخدم مآرب الدولة الإسلامية الشيعية الإيرانية، و لا ينتبهون أن هذه الدولة التي يدينونها لمرجعيتها الدينية و الشيعية تحديدا، تتحمل تكاليف باهظة لوقوفها الداعم للشعب الفلسطيني ، وهو سني المذهب في أغلبيته الكبيرة.