آخر الأخبار

احد عشرة يوما هزت العالم.. نقد لبؤس النقد – 4 –

محمد الحبيب طالب 

في هذا الوضع التاريخي التحرري والخصوصي، لا يفقد الدين ومرجعياته نسغهما الثوري، رغم ما يكون في الأيديولوجية من رواسب ثقافية واجتماعية متأخرة. ورغم  ما قد يحدث من أخطاء في الممارسة السياسية ومنها أنواع التحالفات، طالما بقي وضعها التحرري قائما، ولم تتحول بعد لتسويغ تحالف طبقي حاكم غدا معاديا للتقدم. فالطبيعة الوطنية التحررية تظل هي الحاكمة في آخر المطاف، وإلا فشلت تلك الحركة بعينها، لكن الأيديولوجية الدينية تتجدد وتظل قائمة، مادام شرطها التاريخي هو نفسه.

أرأيتم كيف أن الفكر الذي مازال يستقي مواقفه من منابع الحداثة الماركسية (أي من المتاع القديم) يتناقض جذريا مع الحداثة الليبرالية السطحية والخادمة في الراهن للأيديولوجيا النيوليبرالية العالمية. والمدهش حقا، أن القوى الأمبريالية أذكى من فِراخ الاستنساخ، فهي لا تتهم حماس والجهاد وحزب الله بالإرهاب لأنهم يحملون مرجعية دينية، وانما فقط لأنهم يهددون بالسلاح أداتهم الضاربة في المنطقة، إسرائيل. بينما يذهب الاستنساخيون إلى ما هو أبعد! وبالمناسبة هل سنطالب، في ضوء منطقهم، بحل “منظمة التضامن الإسلامي” ولو على علاتها، لكي لا نقدم صورة دينية عن الصراع مع اسرائيل؟ سؤال يضعنا وجها لوجه مع مفهوم آخر للإسلام كدائرة حضارية، وهو بعيد كل البعد عن سطحيتهم وجهلهم لأبعاد الإشكالية الدينية وتمايزات مستوياتها ومراحلها التاريخية، فهم لا يعترفون إلا” بدين أبكم ” لا ينطق بكلمة، وإلا خرج من مدار الحداثة السطحية التي يرددونها كالببغاوات .

و عند آخرين، الربط بين القضية الفلسطينية و الصراع العربي- الإسرائيلي أضر، و يضر بها. و هذا غير صحيح، لأن الدي أضر بها، و بالوقائع، التخلي المتتالي عن الصراع العربي-الإسرائيلي، و ليس العكس. وتعريف القضية عند هؤلاء، أنها قضية حضارية و حسب “هكذا ؟! في المجرد و المطلق”، بينما المعنى الحقيقي عندهم، أنها مجرد قضية أخلاقية إنسانية لا غير، عوض الزج بمفهوم كبير و مركب الدلالات و التفاعلات بين مستوياته أو دوائره المتباينة و المترابطة، و يحكمها جميعا الشرط التاريخي لكل منها. و المرام عندهم، القفز على الدائرة الحضارية “العربية-الإسلامية ” الجامعة بين شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج، و التي تتحدث أغلبيتها الساحقة في الحياة اليومية باللهجات العربية المختلفة، و تكتب جميعها باللغة العربية. و لها ثقافة و تاريخ ووجدان و شخصية من إنتمائها لثراتها العربي الإسلامي، ومع ما يبطنه من تنوع لغوي و ديني و مذهبي و إثني و عرقي و خصوصيات وطنية، بما فيها “الأكراد الأقل إندماجا لطموحهم القومي المستقل. فلا حضارة في التاريخ نقية و مستقلة مائة في المائة. وقد صار لهذا التنوع في العصر الراهن حلوله الديمقراطية المناسبة له، و بدون التفريط في ماهو أساس و مشترك للتقدم الحضاري.