آخر الأخبار

احذروا تكلس الاحساس

من وجوه تَبلُّد إحساس المرْء وتَكلُّسه ،حين تراه أمام بيته يَسْكب الماء سكبا ، مما تبقى له من تلك القنينة البلاستيكية التي يَحملها بين يدين عابثتين ، وينتشي ببلادة في رَش ِّالماء يمينا ويسارا، ويُضيِّعه تضيُّعا على الحجر دون الشجر ، ولأن احساسه صار فيه شيء من النسب والقرابة مع طينة الحجر ، فانه لم يَعد يُكلِّف نفسه حتى النظر الى تلك الشجيرة التي تُجاور ُبيت منزله ، وهي تقف صامدة بِقَدِّها القزَمي ّ ِ، وأغْصانها الطَّرية ، ووُرَيْقاتها الصغيرة ، لتُقاوم حر ّ َالصيف ولهيبه المحرق .ولو فتح عينيه للحظة وجيزة ، لادرك ان هذه الشُّجيرة مع شقيقاتها هي التي تُظلِّل جزءا من ممرات زُقاقه ، وتُؤنِسه يوميا حتى مدخل بيته ، بل تقدم له في كل خرجة ورَوحةٍ معان من التضحية والعطاء والايثار ، واشاعة الجمال ..
لكن أنى لجُلمود مُتكلس أن يدرك هذه المعاني ؟؟!!
فهو الان ما عاد يملك سوى لسانٍ طويل يلوك الفراغ ، وحركات بلهاء ، وعيون رمْضاء، وقلب فارغ أجوف ، وفكر شارد أسخف وأنحف ..
هو الان يسكب الماءفي غير نفع يُذكر ، ويعيش حياة بلا وقع .
والشجيرة تقف امامه شاحبة لكنها شامخة لا تستجديه، بل تقاوم العطش في اباء وعزة .
..ولكنها لو دَرَت ما المحاورة لاشتكت من هذا الجفاء، وتحسرت من هذا الغباء..وتساءلت في استغراب :
كيف يعقل ان يُرش الماء على الفضاء التافه ، ويحرمُ منه النبات النافع ؟؟!!
والحقيقة ان المرء حين يصل الى هذا المستوى ، ويموت فيه الاحساس بالآخر ، فقد وصل درجة خطيرة يصْعب الاستشفاء منها .وقد لا ينفع فيه ،بعد ذلك ،نصحٌ او لوم ٌاوعتابٌ او تقريعٌ ، لانه كما قيل ( ما لجرح بميت إيلام ُ).
محمد خلوقي /  مراكش