سجل المجلس الأعلى للحسابات أن تدبير نظام التأمين الإجباري عن المرض يعاني اختلالات منها تلك المتعلقة بالحكامة وتغطية نفقات خدمات العلاج.
ففي ما يخص حكامة المنظومة، لاحظ المجلس ، بحسب السيد جطو ، أن الإطار القانوني للنظام يبقى غير مكتمل، حيث لم يتم بعد إصدار مجموعة من النصوص التنظيمية اللازمة لتفعيل مقتضيات القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية رغم مرور أزيد من 14 سنة عن صدورها، “وهو ما أثر سلبا على تدبير هذا النظام بشكل سليم”.
وبخصوص ضبط المنظومة، أبرز السيد جطو أن المشرع كان يهدف ، من خلال إحداث الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وإخضاعها لوصاية الدولة ، إلى الرفع من صلاحياتها والحفاظ على استقلاليتها، غير أن “تموقعها المؤسساتي تحت وصاية وزارة الصحة لايمكنها حاليا من أداء دورها بشكل كامل في مجال التحكيم وضبط النظام والزجر عند الاقتضاء، إزاء كافة الفاعلين في منظومة التغطية الصحية الأساسية”.
وفي ذات السياق، يسجل، أن “التعريفة المرجعية الوطنية على الرغم من كونها إحدى الآليات الرئيسية التي تحدد العلاقة بين الهيئات المكلفة بالتغطية والمهنيين، فإنها لم تخضع لأي مراجعة منذ انطلاق نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض سنة 2006”.
في ما يتعلق بتغطية النفقات الطبية، فقد لاحظ المجلس أن التأمين الإجباري عن المرض في وضعه الحالي لا يتيح تسديد المصاريف المرتبطة بأهم المستجدات في مجال الخدمات والمستلزمات الطبية نظرا لعدم مواكبة التطور المستمر للعلوم الطبية ولعدم تحيين مصنفات الأعمال الطبية.
أما في ما يخص التوازن المالي للمنظومة، فقد سجل المجلس في هذا الجانب أن الوضعية المالية لنظام التأمين لفائدة أجراء القطاع الخاص حافظت على التوازن طيلة الفترة الممتدة ما بين 2006 و2018، إلا أن هذا الوضع يمكن أن يتغير خلال السنوات المقبلة نتيجة تنامي استهلاك العلاجات والخدمات الطبية والرفع المرتقب لمستويات التعرفة المرجعية الوطنية.
وعلى عكس ذلك، فإن النظام المتعلق بموظفي القطاع العام قد عرف تدهورا مستمرا خلال فترة 2009-2018، حيث سجلت سنة 2016 أول عجز تقني، والذي بلغ ما يناهز 273 مليون درهم في 2018.
وتعزى هذه الوضعية ، وفق ا لسيد جطو، أساسا إلى ضعف تطور المداخيل ولعوامل أخرى منها عدم مراجعة نسب الاشتراكات منذ أزيد من 14سنة، ووضع سقف لمبلغ الاشتراك في حدود مبلغ 400 درهم في الشهر كيفما كان مستوى الأجر، وتدهور المؤشر الديموغرافي لتغطية المنخرطين النشيطين بالمقارنة مع أصحاب المعاشات، والذي تراجع خلال الفترة 2006-2018 من 3,8 نشيط لكل متقاعد واحد إلى1,7.
واعتبارا لكل هذه المعطيات، فإن “نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لموظفي القطاع العام لن يسترجع توازناته دون الرفع تدريجيا لنسب الاشتراكات، أخذا بعين الاعتبار الانعكاسات المالية الحالية والمرتقبة لمختلف عناصر التكاليف التي يتحملها النظام على المدى القصير والمتوسط”.
وفي مجال الاستفادة من التمويلات التي يتيحها نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، لاحظ المجلس ضعف النسبة التي تستقطبها الوحدات الاستشفائية العمومية والتي لا تتجاوز ، على سبيل الإشارة ، 6 بالمائة من إجمالي نفقات العلاج للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي وبحصة أقل لا تزيد عن 2 بالمائة بالنسبة للنظام الذي يقوم بتدبيره الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ويرى المجلس أن توازن وديمومة النظام يستلزم الحفاظ على احتياطياته والحرص على تنميتها، الأمر الذي لن يتأتى إلا عبر وضع آليات الضبط الضرورية ومنها مراقبة النفقات المرتبطة بالعلاجات الطبية والرفع من مستوى الموارد وتنويعها، علما أن هذه الصلاحيات تدخل ضمن اختصاصات الوكالة الوطنية للتأمين الصحي.
وعلاقة بمنظومة الصحة العمومية، يوصي المجلس بتطوير نظام الصحة الوقائية من أجل تقليص الإصابات بالأمراض المزمنة والمكلفة، وتطوير العرض الصحي العمومي وتحسين جاذبيته عن طريق تجويد الخدمات الصحية المقدمة من طرف المستشفيات العمومية.
و.م.ع