إدريس بوطور
( أرحمي يا راحة القلب ترحامي ** من جفاك طال سقامي ** كيف نبقى حاير وانت مسلية ** روحي يا لغزال فاطمة ) إنها شذرة من إحدى قصائد طرب الملحون المغربي ، وهي مقطوعات موسيقية شعبية ترتكز أسس بنائها على أزجال الملحون ، وتستمد مقاماتها ونوباتها من الموسيقى الأندلسية . الملحون ثرات وموروث ثقافي مغربي أصيل ، وجزء من الذاكرة الفنية المغربية منذ أزيد من ستة قرون . نشأ على أرض سجلماسة بالصحراء المغربية في العهد المريني ، ثم انتشر في بعض المدن التاريخية كمراكش وفاس ومكناس وسلا وأسفي . الملحون شعر زجلي إنشادي متميز يجمع خصائص الثقافة والحضارة المغربية ، أداة تواصله هي اللغة العامية المغربية ،لكنه يقتبس من الفصحى العديد من الأمثال والبنيات الشعرية . لم يترك شعر الملحون وقصائده المغناة مجالا من الحياة الإنسانية المغربية إلا وكان له فيها موطئ قدم ، حيث نظم شعراؤه في التاريخ والعبادات والسيرة النبوية والعشق والاجتماع والوطنيات والترفيه ، مما أكسب هذا الفن شيوعا وانتشارا وحبا من طرف سائر الشرائح الاجتماعية خاصة في مجال الصناعة التقليدية ، حيث يجد الحرفيون في الاستماع الى طرب الملحون متعة تنسيهم مشقة حرفهم التقليدية . قصائد الملحون المغناة لها معجم خاص بمفرداتها ومصطلحاتها وقوالبها ، كما أنها مبنية وفق الشعر العمودي بالتقيد بقافية محددة تعطي لأبياتها رونقا متميزا سلس الإنشاد والغناء . ورغم أن قصيدة الملحون عرفت نوعا من التجديد في إحدى محطاتها التاريخية ، وذلك بخلق بحر جديد سمي ” مكسور الجناح” فلم يتعامل معه سائر شعراء الملحون ، وبقي الابداع مقتصرا على البحر العمودي المقفى . وقد اشتهر من بين شعراء الملحون المغربي “الجيلالي امتيرد “و”التهامي المدغري” ، ومن المنشدين “الحسين التولالي ” ** مجمل القول فإن طرب الملحون فن ذو خصائص حضارية أصيلة ،تجعل من الإستماع الى قصائده متعة وغاية مفيدة.