إغتصاب الطفلات والأطفال، حتى لا ننسى
بحكم نشاطي الحقوقي، والاهتمام اكثر بقضايا حقوق الطفل، وضمنها الاستغلال الجنسي والاستعمال الاستغلالي للاطفال في المواد الداعرة، والسياحة الجنسية، والاغتصاب وغيرها من اوجه البشاعة التي وصلت حد الاتجار في الاطفال.
يمكننا القول، ان اغتصاب الطفلات والاطفال ظاهرة اصبح متجدرة في المجتمع، وان المقاربة الجزرية لهذا الانتهاك الجسيم للمصلحة الفضلى للطفل، غير قادرة لوحدها على وقف العاصفة، ببساطة لان الاحكام في الكثير من الملفات تكون مخففة، واحيانا يتم إخلاء سبيل المشتبه فيه لعدم توفر الاثبات في حقه، علما ان وسائل اثبات الاغتصاب تكون متوفرة واهمها الشهادة او الخبرة الطبية، ولأنها غير مصحوبة باجراءات اجتماعية وصحية ونفسية ووقايئة اخرى.
كمتتبعين ومناهضيين للظاهرة، يمكننا ان ننسى ترحيل السياح الخليجيين لبلدانهم بدون متابعة بما فيهم الذين يضبطون مع قاصرات، او تمتيعهم بالسراح المؤقت دون وضعهم تحت المراقبة القضائية، كحالة الكويتي الذي اغتصب قاصر عمرها اقل من 15 سنة، قد ننسى ملف الفرنسي ارفى الذي صور 15 قاصرا من اطفال الملاح بمراكش واستغلهم جنسيا ، وبعث الصور الى احدى النوادي المشهورة بالتسويق للصور والاشرطة البورنوغرافية، قد ننسى الادانات المخففة التي لا تتجاوز السنتين لبعض الذين ضبطوا من الاجانب يستغلون قاصرين جنسيا مقابل اكلة في جامع الفنا وقماش. قد ننسى قضية بوديكا في مراكش
قد ننسى العشرات من القضايا يتابع فيها المشتبه فيهم في حالة سراح مؤقت، او التي يجهل مسارها، قد ننسى قضايا اغتصاب قاصرات وقاصرين في اعمار تتراوح بين اربع و 14 سنة استقبلت ابائهم وامهاتم وقمنا بكل ما يلزم ،وكانت العقوبات خفيفة جدا لا تتعدى شهور، قد ننسى انه منذ بداية حالة الطوارئ الصحية عرضنا مجموعة من القضايا على النيابة العامة بواسطة المنصة الخاصة بذلك والمتعلقة بالعنف ضد الاطفال، وللاسف مع الجائحة واشتراطاتها ونوعية المحاكمات لم نستطع المتابعة.
لكن لا يمكننا ان ننسى رجلا يدخل مقر جمعيتنا والحزن يسيطر على محياه ، ورغم انه فارع الطول وقوية البنية كان يبدو وهنا منكسرا ، قبل ان يبادرنا بالكلام ،قفزت من مكاني ودخلنا قاعة اخرى لاني عرفة مسبقا نوعية القضية والانتهاك، لن ننسى انه بكى وانهار ، واحس بالذنب اتجاه طفلته ذات 07 سنوات التي تعرضت لاغتصاب من طرف بقال الحي بدروب المدينة العتيقة، لن ننسى هذه الواقعة لان الرجل ظلم مرات ،الاغتصاب وتلكؤ القضاء في اتخاذ المتعين ، ونظرة المجتمع التي تستصغره وتلومه لانه في نظره قادر على القصاص لبنته بيده، يعني “شرع اليد” نظرا لقوة بدنه .
لا يمكننا اطلاقا ان ننسى قضية الطفلة التلميذة اسمهان ذات 11 سنة ، المنحدرة من دوار البرجة بايت ايمور ضواحي مراكش، والتي تم اغتصابها بعد مغادرتها للمدرسة في طريق العودة لمنزل الاسرة وقتلها بدم بارد، لن انسى ببساطة لان المجرم هو نتاج سياسة جنائية وقضاء متساهل، لانه كان حديث مغادرة السجن بعد قضاء عقوبة خفيفة اثر اغتصابه طفلة صغيرة في عمر اسمهان. لا يهمني الحكم الذي تلقاه عقب اغتصابه وقتله للبراءة لكن يهمني هنا التساهل القضائي الذي طالما انتقدناه، يهمني افلاس منظومتنا القيمية، وغياب مؤسسات اجتماعية وثقافية وطبية ونفسية تعنى بحقوق الطفل، وسياسة قادرة على غرس قيم انسانية داخل المجتمع، وقضاء يعي خطورة المس بحقوق الطفل، ويجعلها فوق كل اعتبار، ما يهمني ايضا في هذه القضية ان القضاء لعب دور المساهم في الجريمة بتساهله في المرة الاولى .
لن انسى قضية خديجة السويدي بنت بنكرير التي وضعت حدا لحياتها ،بعدما ضاقت كل انواع الاغتصاب ونكران العدالة. خديجة اختطفت اغتصبت جماعيا ، وتم الاستعانة بكلب لارهابها وصورت وتم الاعتداء عليها جسديا من طرف 08 اشخاص في مكان مغلق بمنزل ضيق بجماعة نزالة العظم ، اعتقلوا وقضت المحكمة في حقهم ب 8 اشهر سجنا، رغم صراخها امام القاضي وحملها لنذوب العنف الهمجي ، والغريب انهم عادوا لمطاردة العاملة الكادحة خديجة مرة اخرى ، وبعدما لم تستجب اية جهة لتوسلاتها وشكاياتها ،قررت سكب البنزين على جسدها وان تضرم النار فيه، لتفارق الحياة حرقا، وبعد تحركنا كجمعية حقوقية واصرار والدتها المكلومة على معاقبة الجناة، اعيد فتح الملف من جديد استئنافيا ليتم اعتقال المجرمين وادانتهم باحكام ما بين 10 و20 سنة سجنا نافذة، هل كان على القضاء ان ينتظر ان تضع خديجة نهاية لحياتها ليكون يقرر العقاب ، هل انصاف ضحية بعد تضحيتها بقدسية الحياة يعد انصافا ? لا اعتقد ذلك.
في قضية خديجة التي اخذت ابعاد دولية حيث واكبتها وسائل الاعلام الخارجية خاصة القنوات التلفزية في عز الصيف ، لمسنا ان التأثير والاهتمام الوطني كان ضعيفا للغاية، استحضرنا قضية خديجة لانه ببساطة لا يمكننا نسيان الانتهاك والجريمة الفظيعة التي طالت الراحلة والمجتمع ولتذكر مطالب والدتها المرأة القروية البسيطة” اريد حق بنتي حتى ترتاح في قبرها، اريد معاقبة المجرمين ولا ارغب في اي تعويض” ، كم هي شهمة ام خديجة ، والتي بعد صدور الاحكام بالادانة احست براحة ضمير وكأنها تخلصت من وزر ثقيل، عانقتنا، فرحت كانها حققت امنية او مستحيل، عانقتنا عناقا حارا ، شكرت هيئة الدفاع بحرارة ، وطلبت منا ان نتنقل كضيوف عندها للرحامنة ، قائلة ” دابا رجع حق خديجة ، ونرجع للدوار راسي مرفوع”.
لم نستجب لدعوة والدة خديجة ولكننا قمنا بزيارتها بشكل مفاجئ تفاديا لاي تكلف، وزرنا قبر خديجة في مقبرة الدوار.
واليوم حين يتم اغتصاب وقتل الطفل عدنان بتلك الوحشية والبشاعة والغذر، قتل يبين مذى انحدار القيم، وتفشي الظاهرة، وضعف الحماية والامن والسلامة، وانتشار كل مقومات الاغتصاب والقتل والفتك، فاننا نذكر ان الاغتصاب يطال يوميا طفلات واطفال، وضمنهم من يتعرض باستمرار الاستغلال الجنسي كالفئات الهشة وبدون مأوى. وهناك من يتعرض للاغتصاب حتى من الاصول، ولا يتم استثناء حتى الطفلات والاطفال حاملي الاعاقة، لنقول ان قضائنا للاسف يتعامل مع الظاهرة خاصة اذا كانت القاصر تتجاوز 14 بمنطق تقليداني وعقلية تلتمس العذر للجاني ويحمل المسؤولية للفتاة، وللاسف لازال القضاء يلجأ الى مسطرة الزواج التي اعتقدنا انها راحت مع قضية امينة الفيلالي.
حينما نتذكر فانما لحشد العزائم وللاستمرار في الترافع والفضح من اجل استئصال ظاهرة البيدوفليا من جدورها، وتحميل مؤسسات الدولة التربوية والتعليمية والاعلامية والاجتماعية والامنية والقضائيى مسؤوليتها في محاربة الظاهرة من جذورها وتحييد اسبابها. وايضا لجعل مكونات المجتمع تفكر وتناضل وتترافع بشكل جدي وضاغط بعيدا عن لغة الانفعالات والتنفيس المرحلي .
لا نريد ان ننسىى، ما نطمح اليه هو القضاء على اسباب الظاهرة الذي لا يمكن ان يتحقق الا بالاحترام الفعلي للمصلحة الفضلى للطفل بكل اشتراطاتها وعناوينها المعروفة والياتها ومعاييرها كما حددتها المنظومة الكونية لحقوق الانسان.
عمر اربيب عضو المكتب المركزي
للجمعية المغربية لحقوق الانسان