آخر الأخبار

اغتيال المناضل نزار بنات

غسان زقطان

ألقى اغتيال المعارض الفلسطيني الشجاع نزار بنات بعد اعتقاله على ايدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ظلاً قاتماً على مدينته “دورا” في جنوب الضفة، وعلى الشارع الفلسطيني، وعلى فلسطين، وعلى هذه المقالة التي كان من المفترض أن تدور حول ظاهرة فشل الحوار الوطني الفلسطيني المزمنة، وغياب الرغبة والإرادة للمصالحة بين “السلطتين” في رام الله وغزة، وتداول اقتسام الانقسام والتفرد في “الحكم” والاحتكام للولاءات ومصالح “النخب الحاكمة” وشهود الزور من بقية الفصائل.

ببساطة شديدة، ثقافة الفساد والتسلق وظاهرة موت الفصائل الصغيرة وتلاشيها لا تسمحان بذلك، سواء لدى سلطة “حماس” في غزة أو السلطة في رام الله، من هنا يمكن فهم محاولات نشر غيمة من الخوف والترهيب، في مواجهة ثقافة الاحتجاج وثقافة المعارضة التي يتمتع بها المجتمع الفلسطيني، والتي تتصاعد في موجة متواصلة منذ شهور في مواجهة العنصرية وفاشية المستوطنين.

ولكنني لا أجد فرقا بين فشل القائمين على الحوار، الذي يبدو مدروسا، وبين اعتقال نزار واغتياله، الأمر متصل وواضح، إذ بينما كان الشبان يواجهون المستوطنين وجيش الاحتلال في جبل صبيح في بلدة “بيتا” في شمال الضفة، ويشكلون ظاهرة “حراس الجبل” في تطور مدهش لفعاليات المقاومة، وبينما كان حراس الجبل يسهرون في نوبات حراسة الجبل، كانت دوريات الأمن الفلسطيني تقتحم بيت المعارض الحقوقي والناشط نزار بنات وتقتاده بعد الاعتداء عليه بالضرب، بحسب شهادات العائلة، الى غرف التحقيق.

سيعلن محافظ الخليل جبرين البكري بعد ساعتين من عملية الاعتقال، في بيان مقتضب “تدهور صحة المواطن نزار بنات أثناء اعتقاله ووفاته”.

لأمر ما عدت الى اغتيال اللبناني لقمان سليم الذي اغتيل في منطقة العدوسية في لبنان بخمس رصاصات، واحدة في الظهر، لعلها كانت الأولى، وأربع في الرأس، ثمة ما هو مشترك بين نزار الناشط والحقوقي ولقمان الناشر والباحث، الشجاعة في مواجهة الخراب ونزعة العنف التي ترافق الفساد، والمثابرة الى حد العناد في المواجهة.

خراب السلطة في لبنان وفساد “الطبقة السياسية” يجد صورته في فساد الطبقة السياسية الفلسطينية. ينهار البلدان ويتفككان، بينما تسعى هذه الطبقة بوجهيها لتأمين عزلتها وبقائها على حساب كل شيء تقريبا، عيش الناس وحياتهم وكرامتهم وأحلامهم.

ما حدث لنزار بنات هو اغتيال سياسي، بدأ باعتقال سياسي تعسفي مرفوض أصلا، الطريقة التي اتبعها المقتحمون من أفراد أجهزة الأمن، تعكس جهدا واضحا في تقليد اقتحامات دوريات الاحتلال وحملات الاعتقال الليلية وهجمات “المستعربين”، تقليد يشي بمستوى من الاعتراف بسلطة التعليم التي يفرضها الاحتلال على وعي القائمين على هذه الأجهزة، وبتشويه العقيدة الوطنية التي ينبغي أن تتأسس عليها، رغم أنها تقتطع الحصة الأكبر من الميزانية والتمويل الخارجي وأموال دافعي الضرائب من الموظفين والعمال وصغار الكسبة، على حساب الثقافة والتعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية.

تقدم عملية اعتقال نزار بنات وتصفيته نوعاً من التربية الخطرة التي يتلقاها أفراد بعض هذه الأجهزة، وجهود واضحة لتقليد “الشاباك” ووحدات “المستعربين” والتشبه بها، تلك هي ثقافة الضحية التابعة وأوهام “عبد المنزل” حول منزلته وحريته.

كما لو أن البلاد ضاقت على أهلها ونخرها الفساد، هكذا بدا المشهد صبيحة أمس.اذ لم تنه بعد لجنة التحقيق في صفقة اللقاحات المبرمة مع الاحتلال، بكل ما تعنيه من تجاهل لمصالح الناس وحياتهم، وتفرد وارتجال لدى صانعي القرار، وما تشتمل عليه من تبييض لصورة الاحتلال، حتى بدأت أجهزة السلطة حملة اعتقالات لا تعني لها سوى محاولة استعادة هيبة فارغة مثيرة للشفقة برعاية الاحتلال. مرة أخرى نقف أمام وعي “عبد المنزل”.

في غياب المؤسسات الديموقراطية المنتخبة، الموثوق بها شعبياً من البرلمان الى القضاء الى الإعلام، والعبث بالقوانين، واستبدال المراسيم بالدستور، سيتحكم أفراد تتحكم بهم مصالحهم ويقودهم فسادهم بمصير البلد ومصائر الناس، وستبدو المطالبة بلجنة تحقيق “رسمية” جزءاً من تعويم الجريمة ومجاملة الفساد. الكلمات الدالة