عزا نجيب اقصبي، الخبير الاقتصادي، سبب ارتفاع الاسعار و غلاء المعيشة بالمغرب الى عدة اسباب منها ما هو اقتصادي وسياسي ومالي، والسبب الظاهر حاليا هو ارتفاع أسعار المحروقات دوليا، وهو أمر لا نقاش فيه لأن الأسعار حاليا تجاوزت 90 دولار، كما أن المغرب ليس لديه نفط و لا غاز بصفة شبه مطلقة .
وأكد شدد أقصبي على أن “عامل السوق الدولية كان يمكن أن يجعل الوضع أقل كارثية لو كان لوحده، إلا أن هناك عوامل داخلية تعمق الأزمة وتخلق وضعا غير طبيعي، منها ما اسماه ” الفشل الذريع في السياسة الطاقية بالمغرب ” حيث أنه لأكثر من 10 سنوات وهم يتحدثون عن الطاقات المتجددة والبديلة، وخلال نفس الفترة وهم يروجون لبلوغ 30 و40 و50 بالمائة من الطاقة المجددة فيما يسمى بـ”الإزدواج الطاقي” أي ثنائي استعمال واستخراج الطاقة”.
واوضح اقصبي، أن التجربة أظهرت أن كل ما قيل غير موجود وهو مجرد كلام في كلام، لأننا لا زلنا بعيدين عن الهدف، لأن الازدواج الطاقي وصلنا فيه لأقل من 18 بالمائة وفق خبراء في تحليلات دقيقة، عوض 40 أو 50 بالمائة الذي يتغنون به منذ سنين.
وأشار أقصبي إلى أنه منذ 2009 بدأ المغرب في سياسة الطاقات المتجددة، وقالت الدولة إنها ستطور في الطاقة الشمسية والريحية والهيدروجين، ووضعوا لها أهدافا، على أن يصلوا كهدف أول لـ40 بالمائة سنة 2020 ورفع الملك فيما بعد هذا الطموح إلى 52 بالمائة سنة 2030، وهي أهداف وطنية يتم الترويج لها بشكل متواصل في وسائل الإعلام، مع رصد استثمارات ضخمة في مشاريع محطات “نور” من أجل تحقيق هذه الأهداف”.
وبيّن الخبير الاقتصادي أن “المقصود بنسبة 40 أو 50 بالمائة المراد بلوغها، هي نسبة الطاقة المتجددة في الطاقة المستعملة كليا على المستوى الوطني، إذ كان من المفروض أن نصل هذه السنة إلى 40 بالمائة من الطاقة المتجددة المستعملة في مجموع الطاقة الوطنية على أن تبلغ هذه النسبة 50 بالمائة سنة 2030”.
وأضاف اقصبي أن جل هذه المشاريع الطاقية في محطة نور بورزازات مثلا، تظهر أنها فاشلة، حيث أن كلفة الطاقة فيها تتجاوز 10 مرات الكلفة الطاقية في بلدان أخرى رغم أنها تنتج نفس الكمية الطاقية، وهو ما يبين أن الإختيارات التكنولوجية للدولة في هذا المجال فاشلة وخاطئة، حيث بين تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي أن الكلفة المضافة، والتي سيؤديها المغاربة من جيوبهم تصل 800 مليون درهم في السنة و على مدى عشرين سنة ستبلغ 16 مليار درهم على مدى 20 سنة، ما يعني أن الدولة هي التي ستؤدي هذا الفرق .
وأبرز اقصبي أن تكلفة الكيلوات الواحد من الطاقة تصل 1.60 درهم ويباع إلى المكتب الوطني للكهرباء بـ0.80 درهم، ما يعني أن الدولة هي التي ستؤدي هذا الفرق من خلال دافعي الضرائب، لأن الاختيارات كانت خاطئة منذ البداية وهذا نتيجة فشل السياسات الطاقية، فلو كنا قد بلغنا 30 أو 40 بالمائة من الإكتفاء في الطاقات المتجددة كنا سنكون في وضعية أخرى أفضل . وقال اقصبي إن من بين أسباب ارتفاع أسعار المحروقات أيضا، وجود مؤامرة ضد سيادة المغرب في الاكتفاء الطاقي الوطني، والتي بدأت(المؤامرة) بالقضاء على مصفاة “سامير” لتكرير النفط، حيث تضافرت الجهود لإغلاقها سنة 2015″.
“ثاني عوامل المؤامرة”، يسترسل أقصبي “حماقة التحرير العشوائي لأسعار المحروقات، إذا لا يمكن تحرير قطاع حيوي في بلد غير منتج للنفط، تزامنا مع تصفية المعمل الوحيد لتكرير البترول وفي غياب آليات الضبط مع العلم باحتكار القطاع من طرف 3 أو 4 شركات تفعل فيه ما تشاء، وهي بمثابة جريمة محسوبة تاريخيا على العدالة والتنمية في عهد بنكيران، فحكومتهم كانت اليد المنفذة لتحرير قطاع في ظروف أسوأ مما يمكن أن تتصور والتي تغيب في البلدان الأكثر ليبرالية”.
واسترسل أقصبي أنه “حتى لو كانت السياسة ظاهرية ويمكن أن تتغير، إلا أنه مع قدوم العثماني ورحيله لم يتغير شيء، ما يعني أن هناك إرادة مبيتة للقضاء على الآليات التي من شأنها أن تعطينا إمكانية كي نواجه الصعاب”.
وأفاد أن مصفاة سامير رغم أنها لا تنتج البترول وإنما تكرره، لكن وجودها كان يسمح لها أن تلعب دور الوسيط بين السوق الدولية والسوق الداخلية، لأن استيراد المادة الخام وتكريرها في أرض الوطن يضيف قيمة داخلية، بينما الآن نأتي بالمادة النهائية جاهزة للاستعمال.
كما أن مصفاة سامير كانت لديها قدرة كبيرة على التخزين، مستطردا لو كانت المصفاة مازالت تشتغل واشترينا البترول عندما كان ثمنه 20 دولارا لكان لذلك نفع كبير علينا، دون أن ننسى عدم الكشف عن نتائج تسقيف المحروقات التي كلفت المستهلك 17 مليار درهم سنة 2018، والتي لم يتم الكشف عن نتائج التحقيق فيها إلى اليوم، هـي أرباح غير مشروعة و غير أخلاقية راكمتهـا شركات التوزيع بعد التحرير وتصل اليوم إلى ما يقرب 40 مليار درهـم.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن الوضع الذي نعيشه اليوم نتيجة لكل هذه العوامل والتي يطغى عليها الجشع وسياسة الريع، حيث أن مصالح البلدان في أيدي بعض اللوبيات التي تفعل فينا ما تشاء .