عندما اخترق الأتراك جسم الدولة العباسية وانتشروا في دواليبها السياسية ، عرفت اللغة العربية وآدابها اختلاطا هجينا نتج عنه شيوع الرطانة ، وانتهاك حرمة النحو ومنهجه . لكن ظهور ثلة من العلماء الأفذاذ ساهم في إحاطة اللغة العربية بجدار واق سميك صانها من الهلهلة والتضعضع، وجعلها تتبوأ مركز الصدارة طيلة القرون الوسطى ، حيث كانت هي القاعدة الأساس لترجمة الفكر العالمي أنذاك . ومن هؤلاء العلماء أذكر على سبيل المثال لا الحصر الجرجاني والثعالبي والزمخشري . لكن الوجود التركي سيعود تدريجيا من جديد في نهاية القرن الثالث عشر ليغزو أوروبا والعالم الاسلامي الضعيف بعد تشتت الدولة العباسية ، وليكون كيانا جديدا كان له ابلغ الاثر على مسار التاريخ الاسلامي وذلك من خلال الامبراطورية العثمانية التي سادت زهاء ستة قرون حتى إطلالة القرن العشرين عبر حدود جغرافية شاسعة . هذه الوضعية السياسية التي كان اهتمامها منصبا في الغالب على المجال العسكري ،أثرت بفعالية كبيرة على اللغة العربية التي ابتليت من جديد بالركاكة في الانتاج الأدبي والفكري ، وبالرطانة في التركيب النحوي والصرفي . ولولا ظهور علماء أفذاذ في اللغة العربية كأسلافهم إبان الدولة العباسية لساخت لغة الضاد في أعماق سحيقة. ويعتبر العالم الموسوعي اللبناني بطرس البستاني 1819/1883 من أجل العلماء وأقواهم وأكثرهم فضلا على اللغة العربية وآدابها ، حيث قضى عمره في تحقيق أهم المصادر اللغوية ثم بنى معجما عربيا حديثا سليما من الشوائب الدخيلةالمخلة ببنية لغة الضاد . ثم تسلم المشعل بعد البستاني في نفس المسار العالم اللغوي والأديب اللبناني أيضا ابراهيم اليازجي 1847/1906الذي يعتبر برأي النقاد أكبر عالم لغوي عربي في العصر الحديث ، ويعتبر مؤلفه المتميز (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد) بوصلة هادية لتحقيق سلامة اللغة العربية وعبورها سائر المطبات الدخيلة ** ترى هل سيظهر في القرن الواحد والعشرين من يعيد للغة الضاد متانتها وقوتها وسط هذا البحر المتلاطم من العوائق والإكراهات ؟ الأتـــراك و شــيـــوع الـــرطـــانـــة
إدريس بوطور / الصويرة