/ ” you re fake news ” أنتم أخبار كاذبة” .. تلك هي الصرخة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وجه صحافي اتهمه بالاعتماد على أخبار كاذبة، قيل إن جهات روسية نشرتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، في هزم غريمته، المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، في السباق الانتخابي للوصول إلى البيت الأبيض. وأعادت هذه الصرخة المصطلح “أخبار كاذبة” (fake news) ، القديم قدم الصحافة الورقية، إلى دائرة الجدل. كما أن الأزمة التي اندلعت بهذا الصدد عرت عجز عمالقة التكنولوجيا الرقمية في تأمين منصاتهم من الأخبار الكاذبة، والتدقيق في المحتوى.
وقد استفادت الأخبار الكاذبة من الثورة الرقمية العالمية لتحقق انتشارا غير مسبوق، لتتحول إلى معضلة تستدعي حلولا جذرية، بسبب تهديدها لمهنة الصحافة ودورها، وخطورتها على المجتمعات، لما تحمله من معلومات مضللة هدفها التشكيك في الحقائق، ووأد القدرة على التفكير والنقد، وخلق رأي عام معين.
فقد أضحى من السهل جعل كل صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي غرفة للأخبار الكاذبة قائمة الذات، الأمر الذي يسهله تلهف المستعملين على محتويات توافق آراءهم، والتغاضي عن كل رأي مخالف.
وفي هذا الصدد، يبرز السيد محمد الركراكي، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال أن من دلائل اتساع انتشار الظاهرة، نتائج دراسة أمريكية أجريت عقب الانتخابات الرئاسية، بينت أن 76 في المائة من الشباب يستقون الأخبار عبر الوسائط الاجتماعية، وأن حوالي 70 في المائة اتخذوا قرارهم النهائي بخصوص التصويت في الانتخابات بناء على ما تلقوه من هذه الوسائط.
وأوضح الأستاذ الركراكي، أن ما عرفته الانتخابات التي شهدها مؤخرا أكثر من بلد أوروبي، وخصوصا الاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من تدفق في الأخبار الزائفة، دفعت ببعض السياسيين إلى الوعي بأن الديمقراطية الغربية باتت أمام تهديد حقيقي، وإلى التساؤل عن إمكانية الحديث عن ديمقراطية وعن عقد اجتماعي بين السياسي والناخب، مما يؤكد أن وسائط التواصل الاجتماعي أصبحت توجه الرأي العام وتشكله.
وشدد على ضرورة معالجة هذه المشكلة، مشيرا إلى أن القانون 90 – 17 الصادر في غشت 2016 ، ينص على أن كل ما ينشر يدخل تحت خانة المسؤولية. ودعا إلى وضع برامج للتربية الإعلامية، لتعليم الأجيال كيفية استهلاك المادة الخبرية وتحليلها وعلى التمييز بين الخبر الصحيح والخبر الكاذب، “إذا أردنا أن نحد من هذه الظاهرة ومن خطورتها”.
وإذا كان الخبر في حاجة إلى مصدر يثبت صدقيته ووسيط لنشره، فإن الخبر الكاذب “لا حامل له”، على حد قول الكاتب الفرنسي موريس بلانشو، فهو لا ينقل عن مصدر، موثوق به أو غير موثوق. إنه من باب “ما يقال” عبر “راديو المدينة”.
ويتمتع الخبر الكاذب بقدرات ذاتية لأنه ليس في حاجة لمن يتحمل مسؤوليته، فهو لا يتوخى سوى الانتشار، لأن قوته لا تكمن في مضمونه. هذه القوة تمنح الخبر الكاذب سرعة قوية على الانتشار. بل يقول الخبراء إن السر وراء سرعة انتشار الخبر الكاذب هو أنه يصبح، بعد انتشاره، أقوى من تكذيبه.
والخبر الكاذب لا يخبر عن شيء بعينه، بل يحاول الكشف عن تطلعات المتلقي ودغدغة أحلامه، بغرض توجيهه إزاء القضايا والأحداث، مما يجعله أكثر “مفعولا” من الخبر الحقيقي، لأنه لا يكتفي بنقل الحدث بل يساهم في صنعه.
والأخبار الكاذبة أشكال، فقد تحمل معلومات حقيقية موظفة في سياق خاطئ، أو أخبارا ذات صلة خاطئة تحت عناوين لا علاقة لها بالمضمون. وقد تأتي في شكل أخبار ملفقة، الغرض منها تأييد موقف خاطئ. وقد يتم فيها انتحال هوية شخصيات عامة، عن طريق إنشاء حسابات وهمية تنشر مضامين معدلة باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما يمكنها أن تحمل مضامين متحيزة.
أستاذ علم الاجتماع علي الشعباني يرى أن الأخبار الكاذبة “مع الأسف الشديد هي التي أصبحت شائعة حاليا”، مشددا على أن هذا الوضع يترتب عليه أضرار كبيرة، لأن مصداقية وسائل الإعلام والصحافة ومؤسسات إنتاج المعرفة، بصفة عامة، تكمن في صدقيتها وصحة ما تقدمه وتنتجه”.
وأوضح الأستاذ الشعباني أن الأخبار الكاذبة “تؤثر كثيرا على الناس، وتحول دون تحقيق المصالح بالطرق والوسائل السليمة والملائمة”، مذكرا بأن الحصانة الأساسية ضد الظاهرة هي المعرفة والاطلاع. وشدد على “ضرورة توخي الحيطة والحذر تجاه أي خبر كيفما كان نوعه حتى تتبين صحته”.
وقد أسهمت البيئة الرقمية الجديدة بمنصاتها ووسائطها المختلفة في تغير نمط إنتاج وتوزيع المحتوى الذي بات ينقل “من كل الناس إلى كل الناس”، وهو ما حول الانتباه باتجاه الحوامل الجديدة، ليس فقط في إبراز التمثلات والرؤى حول القضايا والأحداث، وإنما في النزاعات الرمزية والقيمية، عبر حروب إعلامية تستخدم فيها جميع الوسائل، النظيفة والوسخة.
الأدهى من ذلك، أضحت الأخبار الكاذبة مظهرا للثقافة السائدة اليوم، وذلك بسبب انهيار الحواجز التقليدية للمجال العام، ولسهولة إنتاج هذه الأخبار ونشرها مما يرسخ الشكوك، ويعزز الشعور بأن البشرية قد دخلت عصر التزييف والتضليل.
وكالات