قال محمد الرحماني إن ما سمي بمؤامرة يوليوز 1963 كان في الحقيقة مؤامرة ضد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان وقتئذ أحد أبرز الأحزاب المنحدرة من الحركة التي رفعت شعار الديمقراطية والملكية البرلمانية، كما كان الحزب يتمز بموقفه الرافض للدستور الأول بداية الستينيات من لقرن الماضي وقرر مقاطعة الدستور وهو الموقف الصادم بالنسبة للمخزن بالمقارنة مع ما كانت عليه مواقف الأحزاب الأخرى باستثناء الحزب الشيوعي المغرب الذي كان له موقف لا للدستور كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل في الوقت الذي اعتبر موقف الاتحاد الوطني بمقاطعة الدستور موقفا راديكاليا، حيث طالب الحزب وقتئذ بمجلس تأسيسي منتخب لوضع الدستور رافضا كل دستور ممنوح، لتقوم حركة أن عمره لم يتجاوز خمسة عشرة سنة كان خلالها منخرطا بجمعية ثقافية تسمى الرابطة الفكرية كان مقرها بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رغم ذلك كانت أنشطتها تتم باستقلالية عن الحزب الذي يحتضن مقره نشطتها و لازال الرحماني يتذكر قيادة الحزب محليا ومنها الأستاذ لحسن زغلول، الذي حكم بالإعدام عدة مرات ،إدريس الطغرائي ، محمد الحبيب الفرقاني، والصديق الغراس.
وأوضح الرحماني أنه أحرز شهادة البروفي سنة 1963 وكان عضوا بالحزب الشيوعي المغربي حيث قرر فرع الحزب بمراكش القيام بحركة تضامنية ضد ما كان يسمى بالمؤامرة التي اعتقلت خلالها الكتابة العامة لحزب القوات الشعبية واللجنة الإدارية خلال مداهمة المقر المركزي بالبيضاء،وآلاف المناضلين على الصعيد الوطني.
ويتذكر الأستاذ الرحماني أن أن صيف 1963 كان حاميا اعتقل فيه العديد من المناضلين حيث شهدت مدينة مراكش مداهمات رجال الشرطة لمنازل في جنح الظلام للقيام باختطاف المناضلين عبر أكياس إلى مقر كومياسرية جامع الفنا حيث كانت تنتظرهم وجبات متنوعة من التعذيب الوحشي، ضمنهم شيوخ ، كهول وشبان ينتمون إلى حزب القوات الشعبية،من بينهم عبد ربه الذي لم يتجاوز خمسة عشرة سنة من عمره، خلال محاولته توزيع مناشير ، والتي عمل على طبعها رفقة رفيقه في الحزب الشيوعي عبد الله الستوكي، لينتقلا إلى مقر الحزب قصد تنظيم عملية التوزيع رفقة كل من أحمد الخراس،فكري ، صدقي وآخرون ،وبينما نحن منهمكون في تنظيم طريقة التوزيع اتصل بنا الكاتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل ليخبرنا بأن مقر الحزب تم تطويقه من طرف رجال الأمن، قبل أن يتسللوا إلى مقر الحزب عبر السطح ومنه إلى باحة المقر حيث أغلقوا على اللجنة أحد المكاتب وشرعوا في حفر ساحة المقر بحثا عن أسلحة دون جدوى .
تم نقلنا إلى كوميسارية جامع الفنا التي كانت ممتلئة عن آخرها بمناضلي حزب القوات الشعبية، ـ يضيف الرحماني ـ وهو يتذكر لقائه مع المرحوم ابن قدور الأزهر والد المناضل علال الأزهر أحد مؤسسي منظمة 23مارس، أشفق الأب الأزهر على الشاب الرحماني الذي كان يتوسد ركبته بالزنزانة الضيقة بمخفر الشرطة بجامع الفنا، وجد الرحماني العديد من المناضلين مستلقين على بطونهم من شدة الضرب الذي تلقوا على ظهورهم حيث سالت دماء العديد منهم.
بعد ثمانية أيام تم نقلنا إلى المحكمة ـ بضيف الرحماني ـ لم أحاكم نظرا لعدم بلوغي السن الجنائية، في حين أدين الستوكي بشهر موقوف التنفيذ وذعيرة مالية وقد هب العديد من المحامين للدفاع عنا في مقدمتهم الأستاذ عبد الرحمان المنصوري الذي كان عضوا نشيطا بالحزب الشيوعي المغربي وكان محاميا بارزا بالإضافة إلى زملاءه الذين لم يعد يتذكر الرحماني أسمائهم، في الوقت الذي تذكر بعض المناضلين الذين القى بهم بكومسارية جامع الفنا من بينهم عمر سعد ( الطويل ) ، الغراس ، الطغرائي ، عمر بنونة هذا الأخير كان المعتقلون ينتظرون قدوم القفة من أسرته ( تنتبرعو مع بنونة في الماكلة ).
وتراوحت الأحكام الأخرى ما بين ثلاثة اشهر وخمس سنوات أما المراكشيين الذي حكموا بالإعدام فقد تم اعتقالهم بمقر الحزب بالبيضاء خلال انعقاد اللجنة الإدارية ومن بينهم الحسن زغلول، المهدي الورزازي.
وأبرز الرحماني أن مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أدوا ثمن مقاطعة دستور غاليا قبل أن تتوج الحملة الشرسة بمحاكمة مشهورة على الصعيد العالمي والتي صدر عنها حزمة من أحكام الإعدام في حق مناضلين من بينهم الفقيه البصري، عمر بنجلون ، الأعرج ولحسن زغلول من مراكش ومحمد العربي.
وعزا الرحماني الحملة الشرسة التي قام بها المخزن في صيف 1963 بالإضافة إلى الموقف من الدستور إلى ما شهدته الحركة السياسية من قمع مباشرة بعد حكومة عبد الله إبراهيم ،ومنها ما سمي بمحاولة اغتيال ولي العهد،لتحتد بعد الموت المفاجئ للسلطان محمد الخامس، ومحاولة النظام إضفاء ديكور على حكمه المطلق رفقة حاشية تضم كل من رضا اكديرة، أحمد العلوي ، الأخوين الخطيب عبد الكريم وعبد الرحمان ، والمحمدي بالإضافة إلى الفلول العسكرية القادمة من المدرسة الفرنسية الاستعمارية والتي كانت الذراع الأيمن والحديدي للنظام وهي التي كان لها دور كبير في أحداث 1963 .
يمكن القول ـ يؤكد الرحماني ـ أن 1963 تعد حلقة من حلقات القمع الدموي الذي قام به المخزن ضد حركة التحرر الديمقراطية المغربية سواء المنحدرة من جيش التحرير، أو من الحركة الديمقراطية التي يمثلها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وأصدر في حق أعضائها أحكاما تراوحت مابين الإعدام والسجن المؤبد ، قبل أنيضطر العديد منهم إلى اللجوء إلى الخارج كالمهدي الورزازي الذي ذهب إلى ألمانيا،في الوقت الذي توجه كثيرون إلى الجزائر أو أوربا.
ويوضح الرحماني أن حزب القوات الشعبية كان يضم تيارا نقابيا قبل أن يقرر هذا الأخير الابتعاد عن السياسة، وفريق يرغب في العمل دخل النسق العام للبلاد ، وفريق يرغب في العمل السياسي الراديكالي وآخر يضم أشخاص يرفضون العمل السياسي بشكل عام،ويؤكدون أن عنف النظام، حيث لجأ بعضهم في وقت سابق إلى القيام بمحاولات مسلحة كتمرد منطقة أمزميز بقيادة مولاي الشافعي ومولاي البشير المطاعي الذي التحقوا بعد حل جيش التحرير بالقوات المساعدة لكنهم بقوا متشبثين بفكرة النضال للتنديد بالقمع والظلم ومصادرة أرض الفلاحين وقمع كل أشكال الحريات، وحملوا السلاح في مواجهة فلول المدرسة العسكرية الاستعمارية بقيادة القبطان الغول الذي حاصر المتمردين بمنطقة سيد المختار وقضى عليهم ، هنا لابد من الإشارة إلى أحد الشبان المسمى عبد الرحيم إينوس كان مصلحا للدراجات ( سيكليس ) الذي قام بقتل القبطان الغول بالقرب من المركز الأمريكي حاليا بعد سنة على محاصرته لمتمردي منطقة سيد المختار، والذي حوكم بالإعدام بعد اعتقاله حيث اعترف بقتله للغول وكان منشرحا طيلة فترة اعتقاله إلى حين تنفيذ حكم الإعدام في حقه، هي وغيرها من الأحداث التي روعت المدينة وكانت ممهدات لخلق جو من الاحتقان استغله النظام للهجوم على الاتحا الوطني للقوات الشعبية انتقاما من بيان المقاطعة الشديد اللهجة والذي عبر عن مقاطعة الدستور وفي نفس الوقت المشاركة في الانتخابات البرلمانية لتفجير المؤسسة من الداخل الأمر الذي سجله المخزن بقوة وبدأ تحين الفرصة للانقضاض على القوات الشعبية الأمر الذي حصل في يوليوز 1963.