إدريس الأندلسي
لم يسعدني كثيرا أن يتوجه رئيس الحكومة الى الباطرونا للكلام عن الثقافة. أكاد أعبر عن خوف من اعتبار العمل الإبداعي الفكري ذو الأبعاد التاريخية ملفا تقنيا يحتاج للتقنوقراط و أصحاب المال فقط. كنت أتمنى أن يبدأ ورش إعادة بناء صرحنا الثقافي و تجديده بعمق باللجوء إلى محاورة أهل الذكر في الموضوع. و أظن أن السيد عزيز اخنوش سيعود إلى الواقع و من يشتغل داخله وهو الأقرب إلى بناء التصورات واقتراح الحلول.
بعد مقال عن ضعف عمل التلفزيون العمومي في الإهتمام بالطرب المغربي الأصيل، كان لي نقاش مع العديد من الفنانين المبدعين. فبقدر ما يهمهم الدخول في حوار حول ورش دعم الثقافة و رفعها إلى مواقع السياسات العمومية ذات الأولوية، بقدر ما زالوا يحملون أملا كبيرا في تنمية الفن الموسيقي لأنه ينبع من الوجدان و يقوي لحمة الانتماء الوطن و ترابه وأصالته ومستقبله.
و أنا استمع لكلام الفنان القدير و الملحن الكبير مولاي أحمد العلوي نقيب الفنانين، وجدت نفسي تواقة إلى فتح ملف الفن و الفنانين في مجال الموسيقى كفعل ثقافي وكمؤسس لجزء من هوية شعب له تاريخ متنوع المشارب و الانتاجات إلى اليوم. النقيب مولاي أحمد العلوي الذي كان لي شرف دعوته للمشاركة في برنامج ديكريباتج الذي كنت أعده و أقدمه صحبة فريق جميل و مغربي حتى النخاع، لا زال كما هو. إنه ذلك المسكون بطبوع و ايقاعات و بحور و عيون الأغنية المغربية. يتكلم عن اساتذته و على رأسهم الاستاذ الراحل و الموزع الموسيقي القدير عبد السلام خشان بكثير من خشوع الفنان.
وهو يقرأ عطاءات الأجيال من رواد الموسيقى إلى الجيلين الثاني و الثالث، تذكر النقيب مولاي أحمد عطاءات كبار الزجالين أمثال الطيب لعلج و علي الحداني و فتح الله لمغاري و كبار كتاب القصيدة من طينة أحمد عبد السلام البقالي و علي الصقلي و علال الخياري و الجواهري. و تذكر مجهودات الملحنين الذين ذاقوا حلاوة الكلمات و كيف بحثوا عن الجمل الموسيقية المغربية التي تلاءمها و تزرعها في وجدان المغاربة. فمن الراشدي إلى السقاط و الشنقيطي و العلوي و القدميري و اللائحة تطول تنوعت الألحان النابعة من جذور متنوعة للطرب المغربي.
ويعد مولاي أحمد العلوي من الجيل الثاني الذي لحن لاصوات كثيرة و كبيرة مثل عبدالهادي بلخياط و محمد الحياني و نعيمة سميح و محمود الإدريسي و عبدالمنعم الجامعي و عبدو الشريف و غيرهم . و رغم موهبته المبكرة، قرر هذا المبدع أن يسلك درب طلب علم الموسيقى في الرباط و القاهرة و لا زال يجتهد باحثا عن كنوز الموسيقى المغربية.
إعادة الروح الجميلة للطرب المغربي تتطلب قرارا و مبادرات للاستمتاع لأهل دار الفن. من يسكنوها و يسكنهم همها منذ أن تسلل عشقها إلى قلوبهم لكي يقربوه من قلوبنا. أقول هذا لأن الذوق الرفيع رافعة للثقافة و يخاطب الوجدان لا الأبدان و يهذب السلوك الإجتماعي ويقوي روابط الانتماء للوطن.
إفتح الباب يا رئيس حكومتنا أمام المبدعين أولا، لا أمام مكاتب الدراسات ومن يسموون أنفسهم بأصحاب الصناعات الثقافية لأن قلة قليلة هي من تنتج و تستثمر في الفن و الثقافة و آلياتها . أما أغلبيتهم فبعيدة عن الفعل الإبداعي لأنه، في نظرهم ، مكلف و غير ذي مردودية مالية…طبعا.