آخر الأخبار

” الأمهات الموهوبات ” بدار بلارج بمراكش

تحتضن مؤسسة “دار بلارج” بحي زاوية الحضر، بمراكش المدينة ورشات تأطيرية لفائدة نساء/ ربات بيوت لم يخطر ببالهن يوما أن يقدمن عروضا مسرحية أمام كبار الفنانين المسرحيين العالميين باللغة الفصحى أو العامية من خلال تجربة فريدة أطلق عليها ” ورشات الأمهات الموهوبات “.

قبل 12 سنة، حين أطلت مجموعة من الأمهات بالمدينة العتيقة على فضاء “دار بلارج”، كان أقصى ما يحلمن به هو قضاء بعض الوقت مع بعضهن البعض للخوض في أحاديث لا تختلف عن تلك الثرثرات النسائية المعتادة، لتتفتق المواهب وتبرز الطاقات التي تجاوزت حدود المنتظر، وتتحول هؤلاء النساء إلى موهوبات في مجالات التمثيل والرقص وغيرهما.

و أفادت مها المادي مديرة المؤسسة المسؤولة عن هذه الورشات، أن اللقاءات الأولى التي جمعت الأمهات بهذا الفضاء، بدأت في سنة 2007 تقريبا ، بعد رحيل المؤسسة الفعلية للدار السويسرية سوزان بيديرمان، ب ” قصرية فش القلب “، حيث كانت النسوة تنخرطن بشكل جماعي في تهييء أطباق تقليدية ، يتناولنها بفضاء المؤسسة مع الخوض في فتح نقاشات جادة حول مواضيع تهم معيشهن اليومي، قبل أن تنكشف مواهبهن التي كانت مخبأة ، فمنهن من تجيد الرسم أو الرقص أو فن الحكي أو التمثيل، حتى أضحت “دار بلارج” بالنسبة لهؤلاء النساء متنفسا من ضغط أعباء البيت و رتابة الحياة.

وأضافت أن تجربة ورشة الأمهات الموهوبات ابتدأت بثلاثين امرأة قبل سنوات، لتصل اليوم إلى 146 امرأة، بالإضافة إلى لائحة الانتظار الطويلة جدا، حيث لا يستوعب الفضاء المتاح هذا الكم الهائل من النساء اللواتي يرغبن في الإستفادة من ورشات المسرح، باللغة العربية والفرنسية، والخياطة، والخط العربي، والحضرة، والمديح والسماع، والصولفيج والرقص المعاصر وغيرها من الورشات المتنوعة التي تحتضنها المؤسسة لفائدة المستفيدات من النساء بشكل يومي تقريبا.

فمسألة الحفاظ على التراث وما تلعبه الأمهات من أدوار في رعايته وتمريره للأجيال اللاحقة كان دافعا أساسيا للتفكير في إشراك فئة عريضة من النساء وتحديدا ربات البيوت بالمدينة العتيقة، نظرا لما يتوفرن عليه من أساليب وفنون العيش التي تعكس روح الثقافة المغربية الأصيلة، كمظاهر الإحتفالات بعاشوراء و عيد المولد النبوي والصناعة التقليدية بكل أشكالها وكذا الحفاظ على التلاحم بين جميع مكونات المجتمع المغربي والانفتاح على الآخر وتقبله، كلها، تقول السيدة المادي، دوافع “جعلتني أفكر في إشراك هؤلاء النسوة وإخراجهن من شرنقات البيوت ليلجن عوالم شاسعة لم يفكرن يوما في خوض غمارها”.

وقد كان لورشات الأمهات الموهوبات دور كبير في تحقيق نوع من المصالحة بين النساء وتراثهن وثقافتهن التي لم يكن يعرنها اهتماما من قبل، ظنا منهن أن زمنها قد ولى، ليدركن بعد احتكاك طويل مع خبراء وباحثين وفنانين أن التراث المادي واللامادي هو كنز حقيقي ينبغي الالتفاتة إليه، والاهتمام به، إذ من دونه لا يمكن أن يكون للمواطن المغربي وجود بين معاصريه، على حد قول مديرة مؤسسة “دار بلارج”.

ومن تجليات نجاح هذه التجربة الفريدة إطلالة الأمهات الموهوبات ولأول مرة في سنة 2014 بعرض مسرحي بعنوان “الشجرة التي أزعجت منطقي” أو “شجرة العائلة” بفرنسا، ليشاركن أيضا وفي نفس السنة في ورشات تشاركية في الصناعة التقليدية في مدينة تور الفرنسية ، فضلا سفر عدد منهم منذ سنة 2009 وإلى غاية 2015 وكل سنة، إلى مدينة تور الفرنسية للمشاركة في احتفالات رأس السنة، عبر برنامج تشاركي يجمع مؤسسة “دار بلارج” ومؤسسات ثقافية بالمدينة الفرنسية، وهن اللواتي لم يبرحن يوما أماكنهن.

يشار إلى أن “دار بلارج” تعد مؤسسة ثقافية تعنى برعاية التراث و الثقافة، تأسست على يد زوجين سويسريين وهما سوزانا بيديرمان وماكس أليوت وهما مهندسان معماريان أعجبا بهذا الفضاء واقتنياه ليحولاه قبل وفاتهما إلى مؤسسة لرعاية الثقافة و التراث بالمدينة.