ظهور عبد الله بن ياسين
صار يحيي بن إبراهيم بكتاب الشيخ أبي عمران حتى وصل إلى بلاد السوس المغرب فأتصل بالفقيه وجاج ، وكان الرجل ذا وقار ، ومحط تقدير واحترام وإعجاب من ساكنة المنطقة ، وذلك راجع لمكانته العلمية ووضعه الاجتماعي ، فهو ينتمي إلى عائلة عريقة في تحصيل العلوم ونشرها بين الناس بواسطة إحداث مدرسة عتيقة يده ولس بها علوم القرآن حفظا ورسما كما تدرس بها علوم اللغة العربية كالصرف والنحو وعلوم الحساب والجبر وعلوم الدين والشريعة وعلوم الفقه والحديث وكان المكان عامرا بالطلبة والتلاميذ وكان يوفر لهم الملجا والماكل و المبيت ، وقد عقد العزم يحيى إن رجع إلى بلاده على أن يشيد مثل هذه المدرسة ، حتى يتمكن من إخراج أبناء قومه ، من مخالب الجهل وبراثن التخلف وبعد أيام قضاها في ضيافة الشيخ وجاج ، وقع اختيار الشيخ على أفضل طلبته ومساعديه في التدريس ، والأمر يتعلق بعبد بن ياسين الجزولي وهو الوحيد الذي يرى فيه شيخه أنه تنطبق عليه المواصفات المطلوبة في كتاب أبي عمران ، وكان عبد الله هذا من أهل الفضل والورع والدين والحكمة والأمانة والزهد ، فانطلق معه يحيی صوب کدالة بتخوم الصحراء ، وكان ذلك سنة 430 ھ 1042 م ، صارت القافلة حتى وصلت إلى کدالة ، فأقيمت الأفراح والمسرات بمناسبة رجوع يحيى بن إبراهيم من الديار المقدسة وبعد مدة من الاستراحة من متاعب السفر استغلها عبد الله بن ياسين للتعرف على أحوال القوم وعلى أنشطتهم اليومية وكيف يديرون شؤون دينهم ودنياهم ، فتبين له أن هذه القبيلة قد أضاعت الكثير من شؤون دينها ، حتى أصبح أهلها يجمعون أوقات صلاة اليوم إلى أخر الليل ، ومنعوا الزكاة الركن الثالث في الإسلام ، ويتزوجون أكثر من أربع نساء ، ولا يورثون المرأة إلى غير ذلك من الأمور التي لا يستسيغها الدين .
وقف عبد الله بن ياسين على هذه الاختلالات في تأدية الشعائر الإسلامية وبعد تفكير عميق في الأمر ، خلص إلى أنه لا يستطيع وحده تغيير الوضع وخاصة عندما يكون المخاطب جاهلا . فطلب من يحيي بن إبراهيم أن جمع من الصبية دون سن البلوغ ما يمكن جمعه ، وكذا من الشباب ومن جميع الأعمار الراغبين في التعليم والتحصيل ، والتائقين إلى التثقيف والتلقين . وما هي إلا أيام حتى تجمع حوله خلق كثير من الناس من مختلف الأعمار . فبدأ بتحفيظ كتاب الله للصبية والشباب منهم ، كما كان يعطي دروسا في الوعظ والإرشاد لكبار السن في أوقات معلومة داخل المسجد وكان يحضر هذه الدروس خلق کثیں حتى من القبائل المجاورة كلمتونة ومسوفة ولواطة أولئك الذين يستغلون تواجدهم في كذالة من أجل التجارة . وقد استعان عبد الله بن ياسين من الحاملين لكتاب الله التلقين القرآن حفظا ورسما في مدرسته الناشئة وما هي إلا بضع سنين حتى أصبح ألف صبي وأكثر يحملون كتاب الله في صدورهم ويقبلون على تعلم أصول اللغة العربية وقواعدها