معركة الزلاقة– تتمة-
فكتب يوسف إلى الفونسو يأمره بالدخول في الإسلام أو بدفع الجزية أو الحرب ثم قام يوسف والمعتمد متقدما بعض الشيء على جيش المرابطين كما كانت تقتضي الخطة العسكرية من طرف القيادة الموحدة ، وصعد يوسف وبعض ضباطه فوق ربوة ليترقبوا حركات العدو وطريقة تحركه عن قرب ، ولما أصبح يوم الجمعة منتصف رجب تسع وتسعين وربع مئة 1087 م هجم جيش الكفار على المسلمين كما توقع ابن عباد ، وكان الهجوم عنيفا ومتوجها ضد جيش الأندلس المتمرکز أمام جيش المرابطين ، وكان القصد ذلك شل القدرة القتالية له ، وتعريته لكي يتفرغوا بعد ذلك للجيش البربري الصعب ، وفي هذه الأثناء كان أمير المسلمين يراقب ما يجري من فوق الربوة محفوفا بالقادة الأشاوس ، داود عائشة وسير بن أبي بكر ، ومزدلي اللمتونی ، فلما استعر القتال في أصحاب بن عباد واشتد عليهم البلاء وانكشف بعض منهم وفيهم عبد الله المعتمدی أمير المسلمين جيش الكفار بداود بن عائشة ، فزلزل الأرض من تحت أقدامهم فلما رأى ألفونسو ما رأى من اللمتونيين المتوحشين كما يظن أيقن أن هذه الحرب ستكون عكس ما يشتهي ، فأرسل بمعظم جيوشه إلى أرض المعركة لعله يعيد كفة التوازن التي بدأت تميل إلى صالح المسلمين البرير الملثمين . عند ذلك أمر أمير المسلمين قائدین عظيمين بالدخول إلى ساحة الوغي ، والأمر يتعلق بابن عمه سير بن أبي بكر والثاني مزدلي اللمثوني ، وشكل هذا الدخول بداية نهاية هذه المعركة حيث دقت الطبول وعلت أصواتها في السماء فنفرت خيل العدو مما تحدثه أصوات الطبول من ضوضاء عارمة ولم تعد تسعف ركابها فحدث ارتباك في صفوف النصارى ، و كثر فيهم القتل بشكل مهول ، وأصبحت حوافر الخيل تغوص في الدماء من كثرة القتلى وأصيب ألفونسو السادس ملك قشتالة ومتزعم جيش الكفار بطعنة رمح في أحد ركبتيه أعجزته عن الوقوف ، واجتمع الحرس من حوله لحمايته من موت شنيع ينتظره ، وبدأت بوادر النصر تتحقق ، ومالت الشمس إلى الغروب فبدأ هروب النصارى من ساحة القتال ، فأرسل القائد سير بعضا من فرقته لمطاردتهم ، فقتلوا وأسروا الكثير منهما أما ألفونسو فهرب وهو محاط بخمسمائة من حراسه تحت جناح الظلام وعاد من حيث أتى لكن بدل أن تصحبه الغنائم ونشوة الانتصار ، رافقه عوج لازمه بليلة ما تبقى من عمره حيث لم يمت حتى ملة A502 10 11 م وعرفت هذه الوقيعة بواقعة الزلاقة وقد جرت يوم الجمعة منتصف رجب ، سنة 479 م 1087 م.
شاع خبر انتصار المسلمين في جميع بقاع الدنيا وفرح المسلمون بهذا النصر المبين وعمت البهجة والسرور جميع بلاد الإسلام كما عم الحزن والغم والنكد جميع واد فعالة بلاد النصارى المشاركين في قتال المسلمين وبدأوا بشلاو مون ، ويوجهون العتاب لمن تسبب في حرب لم تجر عليهم إلا الذل والصغار وفقدوا أبناءهم وذويهم وكذلك وجهت الشتائم لرهبانهم وأحبارهم الذين كانوا وراء اشتعال نار الفتنة التي ألقوا المين يوسف فقد شكر ابن عباد على صموده ، وصبره ويلائه أثناء القتال ، وقد ذكر بعض المؤرخين أن ابن عباد جمع جماجم جند الكفار الذين قتلوا في المعركة وصنع منها مجسمات على شكل صوامع من كثرتها . وبقي الجند أربعة أيام وهم يجمعون الغنائم مما ترك العدو في ساحة الوغی خيام وأثاث وأوان نفيسة ومضارب وأسلحة كيرة ، وأمتعة لا تقدر بثمن ، ونفائس نادرة صحبوها معهم لأنهم لم يكونوا يتوقعون هذه الهزيمة النكراء ، وهم أكثر عدة وعددا ومعرفة بالأرض من البرابر الذين جاءوا من بعيد فكان المتروك كثيرا والمتخلى عنه ثمينا . وجيء بالغنائم إلى أمير المسلمين لينظر في أمر توزيعها ، فامتنع عن ذلك إذ أثر بها ملوك الأندلس وعرفهم أن مقصوده هو الجهاد في سبيل الله وطلب الأجر العظيم عند الله تعالی . فعظم قدره في أعين ملوك الأندلس وسألوا الله له بالصحة والعافية وطول العمر . وبقي الأمير مقيما خارج إشبيلية ثلاثة أيام حتى ورد عليه خبر وفاة ولده أبي بكر بمدينة سبتة حيث ترك أسرته الصغيرة فصاحبه ابن عباد حتى ركب البحر وبعد عدة أيام قضاها بسبتة قفل راجعا إلى مراكش ودخلها أواخر شهر شعبان من نفس السنة فاستقبل من خاصتها وعامتها استقبال الأبطال وأقيمت الحفلات بمناسبة النصر المبين على الكفار أعداء الدين .