العبور الثاني إلى بلاد الأندلس
كانت بقي الأمير يباشر أمور الرعية بصدق وأمانة وحزم وإخلاص وبدون كلل حتی سنة M1981 – 1080 م حيث عزم على العبور إلى الأندلس مرة ثانية ، وقد اختلف المؤرخون كثيرا حول هذا الحوار الثاني وما هي اسبهان ، وإلي أميل إلى ما جاء به صاحب الأنيس المطرب بروض القرطاس وهو ابن أبي زرع ذلك لأنه يهمه ، الخبر أكثر من غيره بوصفه ابن البلد وعاش قريبا من الأحداث حيث يقول رحمه الله لما كانت سنة إحدى وثمانين وأربعمائة في شهر ربيع الأول منها توصل أمير المسلمين بوسائل استغاثة سکان حصن البيط يتوسلون إليه من أجل إنقاذهم مما وقع لهم من قتل وتعذيب من طرف النصارى المتاخمين لحدود حصنهم ولا يستطيع أحد أن يحميهم أو يذود عن شرفهم من ملوكهم ، وكان هذا الحصن تابعا لحكم المعتمد بن عباد ، الذي جاء بنفسه من الأندلس والتقى بأمير المسلمين يوسف قرب وادي سبو وطلب منه التدخل مما يقع لأهل حصن البيط من المسلمين على يد الكفار المجاورين للحصن حينئذ طلب الأمير يوسف من مجلس العلماء أن يفتيه في الموضوع وذلك بعد تقديم رسائل الاستغاثة من المسلمين أهل حصن البيط وشرح الأسباب الداعية إلى عدم قدرة حكامهم عن الدفاع عن الحصن وأهله . فأصدر المجلس الفتوى وكان نصها كالتالي : « يأمر المجلس أمير المسلمين بنصرة أهل الحصن ودفع الظلم عنهم وضم بلاد الأندلس إلى الحكم المركزي بمراكش » خرج يوسف بن تاشفين بجيش عظیم قاصدا بلاد الأندلس للمرة الثانية في ربيع الأول من سنة 481 ھ – 1089 م طالبا من ملوكها الجهاد في سبيل الله ضاربا لهم موعدا البيط فلم يجب إلى طلبه إلا ابن عباد وابن صمادح ، وتقاعس الآخرون ، وحصن البيط هذا هو حصن حصين على رأس جبل شاهق يقرب من الورقة بعدة أميال ويصعب التمكن منه بسهولة لهذا لم يجرأ أحد من ملوك الطوائف على الدفاع عن سكانه من المسلمين فصار ابن تاشفين وابن عباد حتى وصلا حصن البيط فقرر الأمير يوسف أن يضرب عن الحصن حصارا شديدا وترك حامية عسكرية لمنع كل تحرك أو إيصال أي إغاثة الداخل الحصن ، ثم نظر في عدم استجابة ملوك الطوائف الدعوة الجهاد وإنقاذ مسلمي الحصن مما هم فيه ، فتبين له أن هؤلاء الملوك يفضلون حياة الترف والبذخ على الجهاد عند حصن كأنه دودة الحرير إذا أتت قدرة القدير في سبيل الله ، فاغضيه ما هم عليه وما يفعلون فرجع إلى سبتة حيث ترك هنالك جيشا عظيما تحت إمرة اسير بن أبي بكر فكتب كتابا عين ، بموجبا ، أميرا على جميع أرض الأندلس وخليفة أمير المسلمين عليها كما أمره أن يبلغ جميع ملوك الطوائف بالامتثال لأوامره وبالنزول عن عروشهم وتسليم البلدان إلى سلطانه ، فمن سمع وأطاع فلا يتعرض له و أو مكروه ، ومن خالف وعمي فقد حل قتله ووجبا ، ولا يتعرض لابن عباد بسوء وجعله آخر من يوجه له خطابه ، فعبر مسير إلى الأندلس بجيش عظيم ففزع ملوكها واحاطوا م ومنهم من عاد يستغيت بسلوك النصارى ويبرم الاتفاقيات من اجل الدفاع عن منصبه كابن بالكين صاحب غرناطة وفي ذلك يقول أحد الشعراء :
يبني على نفسه سقها كأنه دودة حرير
دعوه يبني فسوف يدري إذا أتت قدرة القدير
فأتجه سير نحو غرناطة فأمر عبد الله بن باكين بالنزول عن عرشه وتسليم ما تحت إمرته هو وأخوه أمير مالقه فرفضا وبدلا مقاومة شديدة فألقي عليهما القبض ووضعا في الأسر وأرسلا إلى مراكش ، فبدأت تتهاوى عروش ملوك الطوائف واحدة واحدة حتى لم يبق إلا بنو هود بروطة وهي قلعة منيعة ماؤها ينبع في أعلاها وهي صعبة المنال من الناحية الجغرافية وكانت متاخمة لبلاد النصارى كما كانت توالي أمير المسلمين يوسف فلم يتعرض إليها سیر بن أبي بكر بسوء ثم كتب الأمير رسالة إلى المعتمد بن عباد يأمره فيها بالنزول عن إشبيلية وتسليمها هي وقرطبة التي كان يحكمها ابنه المأمون ، فأبى وامتنع وأبدی مقاومة شرسة للدفاع عن عرشه ، فضرب على إشبيلية حصارا شدیدا دام شهرين وانتهى باستسلام ابن عباد ووضعه في القيود وتم إرساله إلى مراكش ومنها إلى أغمات حيث بقي فيها سجينا هو وأهله إلى أن توفي يوم العاشر من شوال سنة 482 م -1090 م .