آخر الأخبار

الإساءة والإحسان في حق من حكم مراكش-8-

تم الاستيلاء على جميع أموال وأملاك هذا الطاغية ومساعديه وشرع في محاكمة المفسدين وذلك استنادا لما جاء في شريعة الإسلام ، فنال كل مجرم عقابه ومنهم من أطلق سراحه لعدم ثبوت إدانة ضده وأحرقت حوانيت الخمر وأضرمت دور الزنا ، وقضي على أهل الفساد والرشوة والمحسوبية إلى غير رجعة . وجمعت الغنائم وكانت لا تحصى ولا تعد ، فأعطى الخمس لأهل البلد من فقهاء وطلبة وسكان ، والأربعة أخماس الباقية وزعت على المقاتلين من أهل القبائل ، وطهرت سجلماسة من الرجس والفواحش ونقيت من المنكر والمظالم ، وعن يحيى بن عمر عاملا جديدا عليها ، وهو ينتمي إلى قبيلة لمتونة كما عين قضاة ورجال شرطة من أجل حفظ الأمن والاستقرار ، ونصب حامية من الجيش للذود عن هذه المنطقة والذب عنها . ثم خطب عبد الله بن ياسين في الولاة الجدد وذكرهم بتقوى الله وتنفيذ أوامر شرعه واجتناب المعاصي ورفع الظلم والحكم بالقسطاس . وتدخل يحيى بن عمر فأعطى لأفراد الجيش مدة استراحة حتى يتمكنوا من تنظيف أبدانهم وملابسهم واستعادة نشاطهم ، ومن الدواب من الاستراحة حتى تتمكن من حمل الأثقال الناجمة عن الغنائم المحصل عليها أثناء تلك المعارك التي تعرف بمعارك تحرير سجلماسة . وأثناء هذه الاستراحة التحق كثير من شباب سجلماسة طالبين من یحیی بن عمر أن يسمح لهم بالالتحاق بالجيش المرابطي المنتصر ؛ معربین له عن رغبتهم في الجهاد في سبيل الله ، ورفع راية التوحيد . فاستجاب ابن عمر لطلبهم والتحق عدد كبير من شباب المنطقة بالجيش المرابطي ، فكرت أعداده حتى أصبحت البلدة لا تتسع لتوفير الراحة لهذه الجموع وما بحوزتهم ، عندها يحيى بن عمر على عبد الله بن ياسين اقتسام الجيش والمعدات الحربية وأبدى رغبته في الذهاب إلى السودان لنشر كلمة التوحيد في تلك الربوع التي لم تدخل في الإسلام بعد ، فوافق عبد الله على فكرة يحبي وقسم الجيش والأمتعة مناصفة وذهب يحيي إلى تخوم الصحراء ورجع عبد الله بن ياسين إلى المنطلق بلاد السوس المصامدة . وحتى لا يفوتني الرد على التعليق الذي جاء في كتاب تاریخ مراکش لصاحبه غستون دوفردان الجزء الأول منه مستشهدا بكلام منسوب إلى مؤرخين كبار وهم : هنري طراس ، وبردویل ، وكذلك ابن الأثير حول ما قام به عبد الله بن ياسين ويحيى بن عمر من نصرة أهل سجلماسة ودرعة ودفع الكدر عنهم . وقد أرجعوا ذلك إلى أشياء لا تتعلق بالجهاد ونصرة الإخوان في الدين بقدر ما هي تتعلق بمسائل توسعية ، واقتصادية أكثر من أي شيء آخر . أما كلام طراس والذي هو : ” إن هذا الكلام مقبول . ويعني بالكلام ما تحدث به صاحب الاستقصا وصاحب الحلل في الموضوع ، مقبول في صورته لكن مادته لا تثبت شيئا ، ذلك أن السبب الحقيقي لغارة المرابطين لا ينبغي البحث عنها في عقيدتهم ، فسكان عن زعي المغرب کسکان سجلماسة مسلمون على مذهب مالك ، بل هم أكثر علما وعملا من الداعين إلى الإصلاح من أهل الصحراء ” . وقال متهكما : ” هؤلاء الأبطال الذين لم يأت بحثاهم زمن ، القائمون بدعوة ديانة واهية لا مصداق لها كانت لهم بواعث غير هذه الالتهافت على المغرب ” لقد كانوا يبغضون أمة السودان أصحاب الواحات التي كانوا هم بتشوفون إليها وكانوا يكرهون أهل زناتة النازلين على أبواب المغرب من الصحراء حيث تنتهي مسالك القوافل أصل عزتهم وثرواتهم وكانوا يكرهون مصامد الأطلس لردهم إياهم أغنامهم في سهول سوس وأبلغ ذلك كله أنه لا بد من تصريف ما ضاقت عنه الصحراء من السكان . وقد كثرت أعدادهم في سنوات الخصب فهم قوم صحیحو الأبدان لكنهم دیالون إلى البطالة ، ولم يعش متهم بمقتضى قانون الانتهاء الطبيعي سوى الأشداء من الرجال ، وإياك أن تستهين بأعدائهم ” . انتهى كلام طيراس.