آخر الأخبار

الإسـكـنـدر الفـــاتـح الأكــــبـــر

سـعـد سـرحـان

في الأوساط المعرفيّة، ومنذ قرون، يشتهر أرسطو باسم المعلِّم الأول. كيف لا وهو الذي مَنْطَقَ العالم بعد أن هَنْدَسَه الأفذاذ من أسلافه بالأساطير. لكنَّ ما يجهله الكثيرون هو أنّ أرسطو كان معلّمًا لتلميذ شديد الفرادة، تَخَلَّد ذكره، لا في الكتب فقط، وإنّما في أرجاء المعمور: إنّه الإسكندر الأكبر.
لقد كان الإسكندر المقدوني مولَعًا بالشعر، لذلك أهداه معلّمه، أرسطو، نسخةً من الإلياذة، حملها معه لاحقًا في كلّ فتوحاته. فملحمة هوميروس الشهيرة، بأبطالها ودسائسها، بخدعها وخياناتها، وبحصانها الأشهر، حصانِ طروادة، كانت الدّليل الفصيح للقائد الشاب في سُبُل الانتصارات وشعابها.تعاليم أرسطو كانت واضحة في ممارسات الإسكندر، فكان كلّما استتبّت له أرض ينشر فيها الثقافة اليونانية، بعد أن يعرف عنها كلّ شيء بفضل العلماء الذين كانوا يرافقونه في حملاته لهذا الغرض تحديدًا.
لقد أثْرَتْ كتبُ أرسطو العالمَ وأثَّرَتْ فيه لأزيد من عشرين قرنًا. أمّا الإسكندر الذي فتح العالم القديم، فقد أوْرَثَ العالم الجديد عشراتِ المدن والمواقع التي تحمل اسمه حتى الآن.ما قدّمه أرسطو للإسكندر لم يكن الدّرسَ فقط، ولا التعاليم فحسب، وإنّما كان خارطة الطريق… فأرسطو كان معلِّمًا مُلْهِمًا، فلا عجب أن كان الإسكندر تلميذًا مُلْهَمًا أخذ الكتاب بقوّة، فقائدًا مُلْهَمًا بالقوّة أخذ العالم. لم يُعمِّر الإسكندر طويلًا، وإلّا كانت الإسكندرية الآن اسمًا لقارّة وليس فقط لهذه المدينة وتلك من مدن العالم. فالقائد العسكري الأشهر في التاريخ رحل عن سنّ الثالثة والثلاثين، محمومًا في الظاهر مسمومًا في الباطن، وهي ذات السّن التي رحل عنها المسيح، القائد الديني الذي ظهر بعده بنحو ثلاثة قرون، مصلوبًا في الظاهر مرفوعًا في الخاطر.من الأرض ومن السماء، مُلهِمًا وموحِيًّا، وحتى قبل السّنابك والأجراس والصّليل… كان الكتاب فاتِحًا، ولعلّه كان دائمًا الفاتحَ الأكبر.لقد مرّت قرون عديدة على الإلياذة والإسكندر والمسيح والإنجيل… خلالها تغيّرتْ كثيرًا: الحروبُ والأسلحةُ والعقائدُ والأحلامُ… حتى أنّ الإنسان أصبح يرفل الآن في حياة بأربعة أبعاد… فتغيّرت أكثرَ أدوارُ الكتب، وصارت لها فتوحاتٌ أين منها تلك الفتوحات، فتوحاتٌ لم تقتصر على هذا الصّقع أو ذاك الرّبع، وإنمّا تعدّت ذلك وغيره فطالت حتى مراتب النفس وأقطار السماء.فإذا كان معظمنا الآن لا يستطيع أن يتخيّل وجهًا للعالم من دون الكتب السّماوية، فهل يستطيع أحدنا أن يتخيّل له وجهًا لم ينحت قسماتِه ميكيافيلي وداروين وماركس وآدم سميث وفرويد وآينشتاين وغيرهم من الأزاميل الساحرة؟ فبسَحْبِ كتب هؤلاء ستتأثر كثيرًا مكتبةُ العالم، أمّا سحبُ تأثيراتها الجذريّة عليه، وهو أمر غير ممكن لحسن الحظ، فسيُعيد الحياة إلى مراحل لن تتعرّف فيها حتى على نفسها.على امتداد العصور ألَّفَ العالمُ كتبًا لا حصر لها، إلّا أنّ قِلّةً قليلةً منها هي ما ألَّفَ العالمَ، وأصدره في طبعات مَزيدة ومنقّحة، وفي كل طبعة جديدة صفحاتٌ أكثر من الضوء.