َمن الصعب اليوم الحديث عن الاختيارات المناسبة لحل الازمة الناشئة عن الاجراءات التي اتخذت لمواجهة كورونا داخليا وعالميا او للتكيف مع عالم مابعد كورونا والبحث عن موقع فيه يخدم مصالح البلاد وساكنتها.
كل ما يتخذ من قرارات يستند الى توقعات، تبقى بالغة الهشاشة في وضع مضطرب ومفتوح على مفاجات، ويعتمد سيناريوهات تبقى بدورها مخترقة بغموض الوضع الراهن والافق غير المرئي. لذلك يمكن القول ان من اجتهد فاصاب فله حسنتين ومن اجتهد فاخطا فله حسنة.
المشروع الذي اعدته الحكومة لتنفيذ ماجاء في الخطاب الملكي يحتاج الى قراءة متانية، لذلك لن اتسرع في الحكم عليه من قراءة اولى سريعة، لان النقاش المطلوب اليوم يجب ان يتسم بالعمق وان ياخذ بعين الاعتبار الواقع وما يعتمل فيه لا ان ينخرط في ترديد نظريات بطرق مدرسية، فما اسفرت عنه جائحة كورونا لم يعالجه كينز او ماركس او فريدمان او ايك كي يتم الاستنجاد باحدهم.
وفي انتظار القراءة المتعمقة، والاستماع لمنتجي المعرفة الرصينة والراي المبني على اساس، اريد ان اشير فقط الى انه من المهم تعبئة موارد مهمة لمجابهة اثار الجائحة وتحريك عجلة النمو، التي كانت بطيئة اصلا ومرتهنة باحوال الطقس، خصوصا وان عجز تمويل الاقتصاد كان دائما مشكلة كبيرة، والمشكلة تزداد حدة اليوم في ظل ماحصل ويحصل، لكن الاهمية القصوى لمشكلة التمويل هذه لايجب ان تدفعنا الى تفكير احادي يدفع الى صب الماء في الرمال الذي يمكن ان تنتج عنه مشاكل اعوص من تلك التي يجري العمل من اجل ايجاد حلول عاجلة لها، فلا يمكن انقاذ الا ماهو قابل للانقاذ وما كان في الاصل قابلا للحياة والاستمرار.
وبناء على ماسبق اريد ان اؤكد على فكرة تبلورت لدي، وساقوم بتقديمها مدعومة بالحجج في وقت لاحق، وتتمثل في ان دوران التفكير حول النمو والناتج الداخلي الخام، بمجمعاته التقليدية، لايمكن ان يقود الا الى الطريق الخطا (بيست) والى ضياع الجهد والمال، العمومي والبنكي على حد سواء، والاصطدام بحقائق مرة. فالبحث عن العودة الى نمو موجب غذا يجب ان يسلك طريقا جديدا غير المالوف، وان يعطي اهمية قصوى للاصلاحات الهيكلية التي تحرر الاقتصاد مما اعاق نموه وابقاه بالغ الهشاشة فيما سبق.
ويجب ان نستفيد من نقط الضوء التي برزت في ظل الجائحة، من قبيل صناعة الكمامات والالات الطبية والتموين واللوجستيك…، وايضا من قبيل دور مجموعة من المؤسسات واستعمال الخدمات الرقمية والتضامن، كما يجب ان نستفيد من النقط المظلمة، من قبيل حجم الهشاشة الاجتماعية المخيف والفوارق الضخمة وضعف البنية الصحية والتغطية الاجتماعية المحدودة….، فالتكرار في ظل ازمة غير مسبوقة، بتداعيات غير قابلة للحساب بدقة في الوقت الحاضر، لن ينتج في النهاية الا ماكان وتبين انه غير صالح للاستمرار وربما اسوا منه، خصوصا واننا نعرف ان الانتهازيين وتجار الازمات لايدخرون جهدا لجعل اي اجراءات تتخذ لمعالجة الازمة تصب في مصلحتهم وليس في مصلحة الوطن، ونعرف ايضا ان هؤلاء تمكنوا من فرض انفسهم ومصالحهم على الدولة فيما مضى وصارت لهم لوبيات تخترق كل المؤسسات وتوجه الاعلام وحتى البحث العلمي والمجتمع المدني، ويملكون القدرة على التاثير مالم تتمكن الدولة من فرض التوازن المطلوب كي لايهتز كل شئ، لانها الاقدر على ذلك ان توفرت لديها الارادة السياسية.
محمد نجيب كومينة / الرباط