دولة بورغواطة وارتدادهم
جاء عند صاحب الاستبصار في عجائب الأمصار نقلا عن المصا ، وين الأساسين عن البرغواطيب ، والذين نقل عنهما المؤرخون سواء القدماء منهم أو المحدثون ، وهما ابن حوقل الذي عاصر الأحداث و البكري الذي كان شاهد عيان أن رجلا اسمه صالح بن طريف وأصله من برباط وهو موضع بأرض الأندلس وكان يهودي الأصل من بطن شمعون بن يعقوب عليه السلام وكان رحل إلى المشوق وقرا على غيلان بن مسلم القدري وتخصص في علوم السحر كثيرا ثم رجع إلى تامسنا فوجد فيها قوما من زناتة جها ، وكان ذلك سنة 123 م – 741 م فأظهر الإسلام تقية ونفاقا وابدى المسك والابتعاد عن المحرمات أطمأنت إليه عقولهم ، فولوه على أنفسهم وسلموا إليه مقاليد أمرهم ، عند ذلك شرع لهم الديانة التي أخذوها عنه إذ كان يقول إنه صالح المؤمنين الذي ذكره الله في القرآن وعيد صالح إلى ابنه إلياس ، وعلمه شرائعه وفقهه في دينه ، وأمره ألا يظهر الديانة حتى يظهر أمره وينتشر ذكره ، فيقتل حينئذ كل من خالفه . وأمره بموالاة أمراء الأندلس وخرج صالح إلى المشرق ووعد ابنه أنه سيرجع في دولة السابع ملوكهم ، وزعم أنه المهدي الأكبر الذي يكون في أخر الزمان لقتال الدجال ، وأن عيسى بن مريم يصلي خلفه وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، وذكر كلاما نسبه إلى موسى وإلى سطيح الكاهن و إلى ابن عباس ، وزعم أن اسمه بالعربي صالح وكذلك في السرياني ، وأورب بالعبراني ووری ورابا بالبربري وتأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا نبي بعدي ” فأوله بضم الياء نبي ، وقال اسمي لا وأنا نبي بعده . فتولى إلياس الأمر بعد خروج أبيه إلى المشرق فقام يدعو الناس إلى الإسلام وقد كتم الشريعة التي عهد بها إليه أبوه خوفا وتقية ولم يظهر شيئا منها إلى سنة 173 ه 790 م ( وولی بعده أبو عفير ) وكان ملکه 50 سنة ثم ولی بعده ابنه يونس فأظهر دياناتهم ودعا إليها وقتل من خالفها إلى أن مات سنة 175 ه 791 م فولي بعده أبو عفير معاد بن يونس بن إلياس بن صالح بن طريف ، وأظهر دياناتهم واشتدت شوكته وكانت له وقائع كثيرة في البربر وكانت له من الزوجات 44 زوجة ومات أبو عفير سنة 230 م 844 م وولي ابنه ، أبو جعفر حفص ولم يزالوا يتداولون هذه الديانة إلى أن تم غزوهم من طرف عبد الله بن ياسين الجزولي ” ، فملك منهم سبعة وفنيت دولتهم سنة 499 ه 1057 م وكان أصل هذا الشيخ الملعون من برباط ولهذا يقال لكل من دخل في دينه برباطي فأجرتها العرب على لسانها فقالت بورغواطي ، فمن أجل هذا سموا بورغواطة وإنما أصلهم زناتة وهم أعلم عباد الله بالسحر مما أخذوه عن أسلافهم ، وقد أرغموا سكان المناطق الواقعة تحت قبضتهم بإتباعهم ، وجاء عن ابن حوقل والبكري وغيرهما أن الأراضي الشاسعة التي كانت تقع تحت حكمهم تمتد من تامسنا ( وهي الشاوية ) وتسير شمالا حتی موقع بلاد الرباط الآن وتمتد إلى ثغر فضالة ( المحمدية الآن ) وتسير جنوب الشاوية على طول ساحل المحيط الأطلسي حتى تشمل أقاليم دكالة وعبدة وغيرهما من أراضي الجنوب ، أسفي ونواحي مراكش ، ويظهر أن هذا التموضع الجغرافي الهائل ، والمتنوع التضاريس ، والذي يجمع بين الجبال الكافلة للحماية من أي هجمات عسكرية مرتقبة ، والسهول الممتدة للزراعة هو الذي مكن البرغواطيين من الصمود أمام أعدائهم منذ ظهورهم على المسرح السياسي أوائل القرن الثاني الهجري .