َالاقتصاد المغربي اقتصاد صغير ( الناتج الداخلي الخام حوالي 108 مليار دولار ) ، ورغم عقدنا ل53 اتفاقية للتبادل الحر وتحرير ميزان الاداءات على نطاق واسع، فان التجارة الخارجية تساهم بشكل سلبي في نمو الناتج الداخلي الخام في الاغلب والاستثمارات الخارجية ماتزال تتسم بالمحدودية وبالتركز في قطاعات بعينها وبالتالي فان السوق الداخلية تبقى الرهان الاساسي لحد الان واستهلاك الاسر يبقى المحدد الاول للنمو. ولحد الان، فان معطيات الوضعية الوبائية تشير الى ان عدد الوفيات لم يصل بعد الى 200 اماتة بينما يقترب عدد حالات الشفاء من الاصابة من 60%. هذه كلها، وتجاوزا للتحليلات المضخمة والمدعية، تجعل المغرب قادرا على التدارك والخروج من دائرة السيناريوهات الكارثية الرائجة. فنحن لانواجه نفس المخاطر التي تواجهها الاقتصاديات الكبرى المرتبطة شبكيا على نطاق عالمي والمتنافسة في نفس الوقت على حصص الاسواق ومناطق النفوذ وغير ذلك، التي كانت الحالة الوبائية باغلبها كارثية.حتى الجفاف الذي يجري الحديث عنه خفت اثاره نسبيا بعد التساقطات المطرية الاخيرة واحوال الطقس الملائمة لعدد من الزراعات ( البقوليات والاشجار المثمرة ) ولتربية المواشي، وغير خاف ان محاصيل الحبوب لم يعد لها الدور الحاسم الذي كان لها في تكوين الناتج الخام الفلاحي، اذ تتقدم عليها فروع اخرى، وهذه الاخيرة لم تتضرر، وربما تتوفر لها فرص للتصدير في ظل احتمال تضرر الانتاج الزراعي في بلدان جنوب القارة الاوروبية شبيهة بالفرص المتاحة لصناعة النسيج التي تستفيد من الطلب العالمي الكثيف على الكمامات.
انطلاق الاقتصاد، الذي لم يكن متوقفا كليا، اسهل بالنسبة لنا من غيرنا وكل مقارنة تتغاضى عن الحجم ودرجة الاندماج في اقتصاد العولمة واثر الوباء تبقى في احسن الاحوال ذات طبيعة مدرسية ولايعتد بها فيما يتعلق بالقرار. بطبيعة الحال، يبقى القطاع السياحي بالنبة لنا مشكلة اكبر من غيرها، ومعه النقل الجوي والسياحي، وافق حلها يظل غامضا في ظل توقع تراجع السياحة العالمية بشكل كبير على المدى المتوسط.
وربما تظهر في الافق فرص ناشئة عن اعادة النظر في انتشار سلاسل القيمة عالميا فيما يتعلق بعدد من المنتجات، بحيث يمكن ان نستفيد من اي اتجاه الى اعادة توطينها جهويا، ومترتبة ايضا عن تطور الرقمنة والذكاء الصناعي، لكن الاستفادة من هذه الفرص متى توفرت، ولن تتوفر الا على المدى المتوسط والبعيد بشكل واضح، تتطلب دينامية قوية من طرف اصحاب القرار والمؤسسات، وتتطلب ايضا مراجعة اساليب التعليم والتكوين والاهتمام اكثر بالبحث العلمي والابداع والتطوير، لان التموقع في سلاسل القيمة كما تتطور يقتضي التخلي عن فكرة بيع العقارات واليد العاملة الرخيصة والتخفيضات الضريبية، التي تحارب اليوم، وعن فكرة الاشتغال من الباطن والمناولة بدون مساهمة في الابتكار وفي تطوير القيمة المضافة.
الحديث المتضخم نظريا والبعيد عن واقع الحال واسئلته والمقارنة القافزة عن الفروق الكبرى لا يخذمان البلد ولا يساهمان في اضاءة طريق السير القويم. قد يرضيان غرورا شخصيا وهذا ما لاشان لي به.
محمد نجيب كومينة / الرباط