إدريس الاندلسي
كثيرا ما يتيح اليوتوب الرجوع إلى ما خفي عن أجيال لم تعايش ما جرى في علاقة المغرب ،نعم المغرب المناضل من أجل وحدته، بدولة جارة سماها المستعمر الفرنسي بإسم إقليم أطلقوا عليه اسم الجزائر. بلاد ولدت من رحم الاستعمار و ضده. ولدت من هذا الرحم بمن كانوا يقتلون أبناء جلدتهم وهم أشد اقتناعا من المستعمر بضرورة عدم قطع الحبل السري مع “ماما فرنسا” و كذلك بمن كانوا يؤمنون بضرورة قطع هذا الحبل السري و على رأسهم مثقفين و مرشدين اسسوا لبناء وطن جديد. كان مصلي الحاج معلما ، وغيره من الأبرار، لجيل من حملة روح الإبداع و كان هناك شباب أرادوا تغيير التاريخ و صنع وطن. انطلقت شرارات العصيان و وجد حاملوها دعما و خصوصا من طرف من يسميهم سماسرة التأريخ الرخيص “جار السوء ” و هم ممن قيل أنهم كاشفي سوءاتهم أمام العالم و لا يختشون.”
استثب الأمر لمن عاش بشرق المغرب بعد 1962 و التاريخ يسجل من عبد القادر ” الأمير ” إلى بن بلة وغيرهم كم كانت تضحيات المغاربة خالصة لوجه الله. بن بلة إبن ضواحي مراكش كان، كمن جاء من بعده ، المسمى قيد حياته عبد العزيز المراكشي الذي انتمى أبوه إلى سلك القوات الملكية المغربية ،قبل أن يساهم في تصفية الطالب( مصطفى لولي) الذي سكن حي اكدال بالرباط والذي كان يظن أنه الزعيم الماركسي المؤمن بأن الصحراء المغربية ستكون بؤرة ثورية لتغيير النظام . كان الفكر رهينة البترودولار
و مع كثير من الأسف سلم القذافي مشعل محاربة المغرب و تفكيك وحدته إلى بو مدين” العظيم” صاحب الأفكار الثورية لتحرير كل شعوب العالم. لكن بوخروبة تنكر و اختار عبادة الكذب والهه الاغريقي الصنع ” دولوس “
ونحن شباب، أثر فينا اقتصادي ناشئ أقنع مالكي ملايير الدولارات بالجزائر بمفهوم ساذج إسمه ” الصناعات المصنعة ، دو بيرنيس “. و أصبح نجما في جزائر الثروة البترولية التي صدقت بكثير من الغباء أن الأسواق تسيرها قوانين العرض و الطلب غير عابئين بقوة القرار الإقتصادي العالمي و لوبياته. و هكذا نامت على هياكلها مئات المصانع و مات الإستثمار و استمر الاستيراد لكل البضائع من سروال الدجين و راديو الترانزيستور و بالطبع المواد الحليبية و السيارات و مواد البناء. و في ظل هذا الوضع عشت في مخيمات الشباب تلك اللقاءات مع شباب الجزائر الذين كانوا يأتون إلى المغرب بالآلاف. كنت احسبهم في نعيم و أنا ارافقهم إلى سوق “شيكاغو ” بالرباط ليشتروا بلهف سلعا كان المغرب ينتجها و يصدرها. شاء القدر و التربية الكشفية و التربية الموسيقية أن اؤلف بعض الأناشيد و كنت أشعر بنوع من الازدهاء بسماع انشادها الجماعي، بما في ذلك شباب الجزائر، الذين كانوا أكثر حبا للأسماك و البطاطس المقلية من سلطات الجزر أو ما كانوا يسمونه ب”الزرودية” في بوزنيقة و الهرهورة و المعمورة.
و أرجع لأشيد باليوتوب الذي يفضح المضللين. كنت أظن أن الهواري بو خروبة رجل مبدأ، لكنني أكتشفت أن بلادي تشكل بالنسبة له عقدة عميقة اجتر آثارها إلى أن غادرنا إلى
دار البقاء مكلوما موجعا موقنا بأن الله يمهل و لا يهمل. حين كان في كامل صحته الجسدية و العقلية، و صل به الحال إلى أن يقول أن جبهة التحرير الجزائرية هي من كانت لها القدرة و القوة على تحرير المغرب. نفى أي دور لرفاق مغاربة أعطوه ورفاقه المأوى و المطعم و الملبس و تنكر كسابقيه لرفاق غيرطامعين. نعت من أكرموه بالخيانة لأنه كان يحمل طموح أزهري تم اقناعه بصعوبة على حمل السلاح من طرف من علموه حب نكران الجميل. و نال الرضى من فرنسا و كابراناتها إلى أن أوصلوه إلى حتفه. وظلت بلاد المليون شهيد حظيرة من لا يوجد في اسرتهم شهيد. و لكن في قلبهم ضغينة و مليون حقد على إبن العم و الخال و الذي أعطى كل ما ملك من مال من أجل تحرير الجزائر. ولم نجني إلا الخيانة من الحاكمين. لكن الأحرار ظلوا للوفاء معتبرين و هم، و الحمد لله كثر.
و هكذا تربت طغمة عسكرية قامت بتصفية القائد الثوري بو ضياف وطغمة شبه سياسية في الجزائر على خيانة شعبها و جيرانها . المغاربة ليست لهم أية ضغينة إتجاه إخوانهم و بني عمومتهم في الجزائر و لكنهم يشعرون بكثير من الحزن إتجاه من خانوا العهد. كيف يمكن أن تحترم من قام بكل حنكة من سبك كل المناورات لتقسيم وطنك. لن أحترم أي مخلوق و خصوصا ممن هم من أقرب جيراني على خيانة كبرى. و لعل بعض المغاربة جربوا حقد القيادة الجزائرية التي وعدتهم بالكثير فاكتشفوا مؤامرة فرحلوا إلى فرنسا ثم رجعوا، بعد صلح تاريخي، إلى بلدهم.
و لكن يجب أن أعترف بكثير من الصدق أن قيادة العمل الدبلوماسي الجزائري تعيش حالة انفصام تتطلب الكثير من التضامن لمعالجتها. رغم تتالي الصفعات الدبلوماسية و الأخطاء الساذجة يخرج لعمامرة الخاوي بخطاب يعيد رسم خارطة القرار العالمي و يتنبأ بكل التحولات التي سيعرفها العالم بعد عقود. و يزداد السعار مع من لم يدرس القانون الدولي و لا أسس تدبير العلاقات الدولية و الذي سماه العسكر وزيرا مساعدا مهمته الأولى ” الكلام الفارغ ” أمام مغرب موحد.
ما داموا على ما هم عليه فمن الواجب قراءة السلام على مستقبل بلد جار تحمه أمية موغلة في البلادة. كم هو مضحك كلامهم عن صناعة السيارات التي تجاوز تصدير اعدادها المليون. و كم مضحك حديث عن الكنادير من بلد لا يصنع الكنادير. و لله في خلقه شؤون. قد يصطف كل العالم وراء وحدة المغرب الترابية ولكن المصابين بالمرض العضال الذي يطلق عليه ” المغرب فوبيا” لن يجدوا شفاء و لا لقاحا إلى أن يلقوا خالقهم غير مطمئنين. سكتت ابواق الكابرانات الدبلوماسية خلال هذا الأسبوع و هم يسمعون تضامنا عربيا مع وحدة المغرب داخل الأمم المتحدة . سكتوا لأن قدرتهم ضعيفة و ان تكلموا لن يتحملوا وزر مواجهة العقل الدولي. نحمد الله على أنهم اختاروا طريق الغباء. من سيصدقهم اليوم و غدا. “باي باي ” آلاف ملايير الدولار التي ضاعت في تندوف و سكنت آلاف الحسابات في جنات تهريب رؤوس الأموال. خوفهم على أموال شعب الجزائر التي سيطروا عليها و التي يريدون التمتع باستعمالها، يجعلهم على خطوة من الهوس و الدخول إلى مصحات عقلية قد يكونون من حاملي غالبية اسهمها.
لن أخاف على شعب الجزائر لأنه يعرف أن “البول زاريو ” صناعة افلست كما افلست صناعات ثقيلة قبلها. المهم أن يمتلك هذا الشعب قراره. أما نحن فلن نفرط في شبر من أراضيها. الله معنا و الشعوب معنا و العقل معنا و المؤسسات الدولية معنا و إرادتنا قوية. و لذلك ضحكت كثيرا بكثير من الوعي حين قال الملك محمد السادس ” اللهم أكثر حسادنا ” لأن الحساد مصيرهم مزبلة التاريخ.