تقع بلدة تازناخت على الطريق الرابطة بين مدينتي ورزازات وأكادير عبر مدينة تارودانت جماعة قروية تابعة لإقليم ورزازات اشتهرت المنطقة بجودة منسوجاتها التقليدية وفي مقدمتها الزربية الوزكيتية.
كانت المنطقة تضم نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ست مجموعات مدرسية وإعدادية عشرات المدرسين يلتحقون كل سنة بالمنطقة الشبه صحراوية خصوصا الدواوير الواقعة على الطريق الرابطة بين تازناخت وفم زكيد والتي كانت مسلكا متربا قبل أن تتحول إلى طريق معبدة سنة 1987.
بين فجاج وأودية المنطقة تقبع دواوير فقيرة جدا باستثناء عدد قليل منها، لا توفر المنطقة لرجال التعليم سوى حجرات متهالكة ومنازل مخصصة للسكن تفتقر إلى أبسط التجهيزات الضرورية وفي مقدمتها المراحيض حيث يضطر المدرسون إلى قضاء حاجاتهم في الهواء الطلق تقيهم حجارة كبيرة أعين التلاميذ رغم أنها تعد ملاذا للسموم المتنوعة ما بين عقارب سوداء وصفراء وأشكال متعددة من الزواحف السامة.
عانت المنطقة من مخلفات الجفاف ومنجم بوعازر الذي ينفث مخلفاته باتجاه أحد الأودية مما زاد من تصحرها على العديد من أشجار النخيل بها، ناهيك عن أمراض الصدر والعيون التي يرثها العاملون به. تستقبل المنطقة مدرسين من مختلف المدن المغربية ففي الوقت الذي يتأقلم سكان المدن الجنوبية بسرعة مع طبيعة المنطقة ومناخها يجد آخرون من مدن شمالية صعوبة كبيرة في التعايش مع ظروفها،أغلب الدواوير بالمنطقة لم تكن مرتبطة بالكهرباء حيث يعمل السكان على توفير الإنارة باستعمال محرك لتزويد السكان من غروب الشمس إلى حدود العاشرة ليلا،كما أن البث التلفزي لم يكن ممكنا يضطر بعض المدرسين إلى تثبيت اللاقط الهوائي فوق مرتفع واستعمال أمتار من السلك الأبيض لربط أجهزة بالأبيض والأسود لا توفر مشاهدة واضحة لبرامج ومباريات كرة القدم، كما يجد المدرسون صعوبة في التزود بالماء ببعض الدواوير النائية وهي المهمة التي يقوم بها التلاميذ على اعتبار أن مصدر الماء يعرف حضور نسوة الدوار اللواتي يحرم عليهن مشاهدة المدرس عن قرب.
أريحية سكان المنطقة تخفي مشاق الطبيعة حيث يستقبلون المدرس بترحاب كبير منهم من يتعامل معه كفقيه المسجد حيث يتناوب السكان في تقديم الأكل له وغالبا ما يستدعونه لكل مناسبة بالدوار، يتنافسون في الترحاب بالمدرس وتقديم كل ما لديهم بالمنزل له، أما الخبز فقد كان مشروطا على الأسر لتقديمه للمدرس الأمر الذي يستجيب له السكان بتلقائية كبيرة،وخلال موسم جني التمور يخصص السكان للمدرس قسطا من المحصول.
أغلب المدرسين بتازناخت من حديثي العهد بالتخرج من معاهد التكوين بالمدن حيث أماكن الترفيه والملاعب وغيرها من المرافق التي تنعدم بتازناخت ليبقى الانتقال من المنطقة الهاجس الكبير الذي يعيشه المدرسون.
ينعقد السوق الأسبوعي يوم السبت يستغله المدرسون للذهاب إلى الحمام ولاقتناء الخضر واللحم حيث يتم تشريح قطع اللحم ووضع الملح عليها لكي لا تفسد بفعل للحرارة المفرطة أما مشتقات الحليب فلا يمكن تناولها سوى بالسوق حيث تتلف بالفرعيات النائية وسط فجج وأودية وعرة الوصول.
يعاني المدرسون في التنقل إلى السوق حيث لا يجدون سوى سيارات من نوع ( طرانزيت أو بيكوب ) تفوق طاقتها الاستيعابية، وأحيانا يضطرون إلى ركوب شاحنات بجوار البضائع أو الماشية فالغاية هي الذهاب للسوق والتي تبرر كيفية الوصول والوسيلة المستعملة.
يجد بعض المدرسين صعوبة كبيرة في الحديث مع تلاميذهم الذين لا يعرفون سوى اللغة الأمازيغية والتي يجهلها الكثير من المدرسين لتتم عملية تبادل الوظيفة بين المدرس وتلاميذه الذين يقدمون له عبارات هو في أمس الحاجة لها لتواصل مع ساكنة المنطقة.
خلال فصل الشتاء تشهد المنطقة القريبة من جبل سيروا انخفاضا كبيرا للحرارة فالصقيع يعيق تحرك السكان وفي حالة تساقط الأمطار وفيضانات الأودية تنقطع المواصلات حيث يعيش سكان الدواوير النائية على مدخراتهم في حين يضطر بعض المدرسين إلى تناول المعلبات والقطاني.
منذ نهاية شهر مارس تشرع الحرارة في الارتفاع بدواوير المنطقة وتنشر السموم بمختلف أنواعها في الوقت الذي تصبح المنازل المخصصة للمدرسين والبعيدة عن الدوار أشبه بأفرنة ملتهبة حيث تنعدم النوافذ بها باستثناء الدور المفككة ذات أسقف من الزنك حيث تلتجئ بعض القوارض بحثا فراخ الطيور أما العقارب فتختبئ بالقرب من الإناء الطيني ( البرادة ) الذي يضع فيه المدرسون الماء لعلهم يظفرون بمياه باردة في عز الحرارة المفرطة.
صادفت نهاية الثمانينيات توافد جحافل من الجراد على المنطقة كالضباب يستقبله سكان المنطقة بترحاب شديد يتم وضعه في الماء الساخن المملح ويتناولونه بشهية كبيرة غالبا ما يقدمونه للمدرس مع كؤوس الشاي قبل الأكل وإذا امتنع يشرعون في مقارنة الحلزون المنتشر بكثرة في العديد من المدن ويعتبرون هذا الأخير مفيد للصحة على حد تعبيرهم.
طبيعة منطقة تازناخت الشبه صحراوية تثير قلق بعض مدرسين الذين غادروا المدينة وضجيجها لينخرطوا في هدوء المنطقة وصمتها القاتل ،مما يجعل العديد منهم يغيب لفترات طويلة عن الفصل، في حين يقضي البعض منهم الوقت في لعب الورق وهناك من يتناول مخدرات لعلها تطير به إلى الأجواء الصاخبة للمدينة،لكن أريحية سكان النطقة وطيبوبتهم تنسي المدرسين ذلك الواقع المر ومنهم سرعان ما ينسجم معهم وهو ما ينتهي أحيانا بالاقتران من إحدى فتيات الدوار لينخرط المدرس في عالم تازناخت الهادئ.