قال عمر الحمداوي الباحث في التراث المحلي، إن ما يميز التراث الشفهي المغربي، خاصة بمناطق الواحات، هو كونه يشكل مرآة تعكس أسلوب عيش الأجداد ونمط تفكيرهم، وكيفية تدبيرهم لشؤون الحياة وتعبيرهم عن المواقف والطرائف التي يصادفونها في حياتهم اليومية.
وأضاف الباحث ، أنه “لو لم يكن ما خلفه الأجداد من تراث شفهي غزير نابعا من رحم واقعهم المعاش، لما عرف تداولا على مر العصور إلى يومنا هذا، ولما حظي بقسط وافر من البحث والدراسة”، موضحا أن هذا التراث يمكن الباحثين والمهتمين من تسليط الضوء على ماضي الأجداد الثقافي بحمولته التاريخية والدلالية والرمزية، مما جعله محط اهتمام على مستوى الأبحاث والدراسات والعروض والندوات والملتقيات والتظاهرات الثقافية، والمدرجات الجامعية ومراكز البحث والمنابر الإعلامية.
ويرى أن من مميزات التراث الشفهي أيضا كونه يحتوي بين ثناياه على رسائل تربوية عميقة، مثل الحكايات الشعبية التي تتراوح وظائفها التربوية والمشبعة بالدلالات والرموز والرسائل العميقة بين التسلية والترويح عن النفس، والتربية على التحلي بمكارم الأخلاق وتحبيب الفرد لمحيطه، والتخلي عن الممارسات السيئة وكل ما من شأنه التنفير من الوسط العائلي والمجتمع.
ولعل ما يميز التراث الشفهي الواحي، يبرز الباحث، هو دوره بالغ الأهمية في حفظ الذاكرة الشعبية والتأريخ لمجموعة من الأحداث والمواقف والطرائف، كما يقف على ذلك الباحث في مجموعة من الحكايات والأمثال والنصوص الشعرية، خاصة “إذا علمنا أن الشعر الشعبي يعتبر من أغنى عناصر التراث الشفهي وأغزرها وأكثرها التصاقا بواقع الحياة والمجتمع، وذلك على اعتبار أنه يستقي مواضيعه من الأحداث التاريخية، وقيم المجتمع، وممارسات الناس اليومية، مؤكدا أن ذلك جعل من التراث الشفهي مادة مصدرية لا غنى عنها بالنسبة للباحث، خاصة في مجالي التاريخ والاجتماع.
وبعد أن أكد أن تعدد مكونات وأنماط التراث الشفهي واختلافها من جهة إلى أخرى، يعتبر من بين تجليات التنوع الثقافي الذي يتميز به المغرب، ومن أبرز خصوصياته الثقافية وأكثرها إثارة وجذبا للسياح والأقلام الإعلامية وأصحاب الأعمال الفنية والأكاديمية، قال الباحث إن واحة تافيلالت على سبيل المثال، تشكل لوحدها خزانا للعديد من مكونات وأنماط التراث الشفهي بما فيها القصص الشعبية والأمثال والألغاز الشعبية والأهازيج والمرددات الشعبية اليومية والموسمية، والشعر الشعبي متعدد الأجناس والأغراض بما فيه الأمازيغي الذي يتصدره أحيدوس بمختلف أشكاله.
واعتبر السيد حمداوي، في هذا السياق، أن مكونات وأنماط التراث الشفهي بصفة عامة ما تزال في حاجة ماسة إلى تضافر الجهود من أجل الجمع والتدوين ودراسته دراسة علمية رصينة، ووضعه رهن إشارة المهتمين باعتباره جزء لا يتجزأ من تاريخ المغرب؛ “إذ من خلاله يمكن فهم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للسكان بمختلف مكوناتهم”، مشيرا إلى أنه في الشعر الأمازيغي بمختلف أنواعه، والملحون بتعدد أغراضه خير مثال على ذلك، “فالمستمع أو القارئ المجد لما وراء أبيات قصائد كل منهما يجد أنها لم تنظم للإطراب والإمتاع والمؤانسة فقط، بقدر ما هي خزان للعديد من الأحداث التاريخية، ومنبر للتعبير عن الرأي، ومدرسة لتعلم القيم الحميدة التي يجب على الفرد أن يتحلى بها داخل مجتمعه”.
وخلص الباحث إلى أنه من الضروري التنويه والإشادة بأعمال جمع وتوثيق مجموعة من نصوص التراث الشفهي، كعمل فرع اتحاد كتاب المغرب بالرشيدية، الذي أصدر كتابا جماعيا “التراث الشفهي بتافيلالت: المكونات والأنماط” وعمل فريق البحث في التراث، برابطة أدباء الجنوب من خلال إصدار مؤلف “هكذا تكلمت درعة: مشروع توثيق التراث اللامادي بواحات وادي درعة”، دون إغفال جهود المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ودوره في التعريف بالموروث الشفهي الأمازيغي وما يتضمنه من عادات وتقاليد ومعارف وفنون وآداب، بالإضافة إلى بحوث ورسائل وأطروحات، والتي تعتبر مساهمة فعالة في النهوض بهذا الموروث وإبراز قيمته، ناهيك عن المهرجانات والملتقيات الثقافية التي تولي اهتماما كبيرا للتراث الشفهي الغني.