الوقوف عند مرسم الفنان التشكيلي محمد يوقال ، يحيل الزائر إلى عالمه المتصوف بالقرب من المسجد التاريخي ابن يوسف بزاوية الحضر ” دار الموذن ” التي رأى وترعرع بها النور سيدي محمد، على إيقاع قراءة الحزب عند الفجر و مايليه من اذكار و عند المغرب، طقوس ربانية أثرت كثيرا على شخصية هذا الفنان الخجول الذي لا يتكلم كثيرا.
قبل أن يبوح بصوت عال من خلال لوحاته التي تتميز بقسمات خاصة ورؤية إلى الذات وإلى الآخر بأسلوب تجريدي مفرط إلى درجة الواقعية، وهو يطوع المواد المختلفة البارزة، والتي هي أشبه بكتل مرئية مجهريا، لأنواع نباتية أو خلايا دقيقة أو أشكال لأتربة أو مواد جديدة لا نعرفها يكشف أسرارها الفنان، الذي يؤكد أن عالم الصباغ و الألوان كان يجتذبه منذ مدة طويلة، وظل يتهرب منه، قبل أن يسقط في شراكه بالرغم منه.
يستعمل الفنان المتصوف في مرسمه الذي يشبه إحدى الزوايا بحي اسول، مواد ترابية و نباتية، تفرز الوانا و أشكالها غرائبية، ترتربط بهوية و انتماء الفنان / ولد زاوية الحضر إلى فضائين أحدهما صخب كثير الحركة ساحة الحي التي تربط الجزء الشرقي للمدينة قاعة بناهيض، الموقف باب الدباغ، بغربها سيدي عبد العزيز، المواسين القصور في اتجاه باب الجديد او سيدي غريب الذي لم يعد، وفضاء روحي الفناء الفسيح للمسجد التاريخي، الذي يعمه الهدوء يكسره بين الفينة و الأخرى هديل الحمام، قبل أن ينتقل الفنان إلى المأذنة لإلقاء نظرة علي المدينة العتيقة و شكل السطوح و الألوان، فيما يشبه لوحة تشكيلة زاخرة، لا شك انها حتلت حيزا كبيرا في وجدان هذا الفنان الشاب، الذي يشق طريقه بصمت.
عشرات اللوحات التشكيلية يتعامل معها السي محمد كفلذات كبده، أو كقطعة من جسده يقلبها تارة و يمعن فيها النظر تارة أخرى، تجعل الزائر يتساءل عن حدود الموضوع واللا موضوع في آن واحد، وهو يشتغل على ذوات أخرى لا بشرية ولا طبيعية، لكنها في الأول والأخير ذوات تشكيلية يشكلها من وعيه ولاوعيه في ذات الوقت، هو أشبه إلى حد ما بفيزيائي أو إحيائي وتجاربه مرتبطة بمواد خارجة عن تفكيرنا قد نمر بمحاذاتها لكن لا نعيرها اهتماما كبيرا في غياب رؤية الفنان، وألوانه خليط من ألوان لا نعرف لها اسما، أي غير عادية، تتراءى للأعين مخلوقات وأشكال تذكرنا بهذا الفضاء القريب والبعيد في نفس الوقت، يشتغل كثيرا على الثنائيات، منذ أن زرت مرسمه بدرب الفرناطشي بحي قاهك بناهيض ، قبل أن ينتقل إلى حوار ” لالة بنت العمري “، تنتاب أعماله الأخيرة نزعة نحو الذات ونحو الآخر، فهو يحاول أن يجعل من اللوحة ذلك الجسر الذي يعبر به إلى هذا الآخر الذي لا يدركه والذي على ما يبدو أشبه بالسراب، فكلما دنا منه إلا وابتعد أكثر فأكثر، فهو الذي يحسه ويعرفه هو من خلال عالمه الخاص به، كما يحاول أن يمنح للوحة روحا أخرى من خلال تطويعه لموادها وتراكيبها وأشكاله.
نادرا ما يتكلم الشريف، قد يظل واقفا لمدة بالقرب سقاية زاوية الحضر يتأمل ضجيج اقرانه، الذين ، لا يشاركهم مباريات كرة القدم بساحة الحي، بقى على هذا الحال إلى أن صار رب أسرة يفضل الإبتعاد في صمت، خطواته و كلامه محسوب بدقة، وحتيحين يعلق على لوحاته، يعتبر العمل التشكيلي واللوحة خصوصا كائنا حيا له روح واستقلالية وشخصية متميزة عن باقي الكائنات الحية الأخرى، لذلك فهو يحاول أن يمنحها حياكة خاصة، من خلال مواد معينة وألوان ترابية مستمدة من المحيط الطبيعي، وهذه الأشكال والألوان المختلفة تستمد جذورها هي الأخرى من الذاكرة المرتبطة بالماضي والتي تتشبع وتتغذى بالحاضر وتتجه نحو المستقبل منفتحة على التجارب التشكيلية المعاصرة العالمية.
يغادر الزائر المرسم تاركا الفنان محمد يوقال، وسط عوالم مختلفة، تنتهي في عالم تتوحد فيه الأشكال والأحاسيس، وتتزاوج فيه الألوان والمواد، في بحث مضن عن أعماق المادة بالطبيعة.