إدريس الأندلسي
أعتبر كإنسان قدر له أن يقرأ و يفهم بعض مبادىء تدبير و إدارة المجال الترابي أن أكبر الأخطاء التي ارتكبت منذ 1977 هي إعطاء سلطة القرار التعميري للمجالس المحلية في المدن و في المراكز القروية. كثير من فقراء المستشارين الجماعيين تحولوا إلى أغنياء لمجرد توليهم لمناصب اعتطهم سلطة القرار في مجال الترخيص بالبناء شكلا و مضمونا. لو رجعنا عقودا من الزمن إلى الوراء لتأكدنا كيف تغير شكل أناس ووضعهم من مجرد منتخبين إلى أغنياء قيل أنهم ” اجتهدوا و نالوا نصيبهم من الثروات . لعنة الله على الكذابين و الافاقين و ناهبي خيرات هذه البلاد. المهم هو أن كثير من الأحزاب و النقابات و الجمعيات تعرف الكثير إلى جانب الإدارات ذات الصلة بالمعلومة السياسية و العقارية حفريات و أصل ثروات هي في الأصل حرام في حرام. و يأتيك أصحاب الدفاع عن الباطل ليقولوا أن تلك النكرة و ذلك ” المخلوض” نجح و أن انتقاد قرارته و السؤال عن ثرواته معاداة للنجاح. هكذا تتسلل الميكروبات إلى جسم المجتمع لغرس الباطل و التغني بأفعال صناع اليأس و ممتهني السرقة و استغلال السلطة و كبح إرادة بناء دولة المؤسسات.
صناع اليأس يعيثون فسادا في الفضاء العام و يظهرون عضلاتهم و سطوتهم و قدرتهم على قمع كل من خالفهم. هؤلاء لا يحملون ثقافة و لا علما و لا أصلا و لا يهمهم إن زرعت الأرض باليابس لكي لا تجني إلا الحنظل. تركوهم يدمرون قيم الثقة و اوصلوهم إلى مناصب القرار و سخروا لهم سبل السيطرة و كادوا أن يحيطوهم بالقداسة. و هذا المسلسل المدمر هو الذي يؤدي في الأول و الأخير إلى تدمير المؤسسات و إفراغ كل المشاريع من مكوناتها و أهدافها و مضامينها و من مفعولها على المواطنين. هل قرأ من لهم سلطة داخل الأحزاب ما خلص إليه تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد. أشك في ذلك و بكثير من اليقين.
صناع اليأس ليسوا شبابا يائسا و لا فئات تكتوي بنار التهميش و الهشاشة. أنهم زمرة من المنتفعين بالريع و المراكمين للثروات ذات المصدر المجهول و العابثين بمستقبل الوطن. يقابلهم شباب و شيب لا زالوا مؤمنين بضرورة صنع الأمل بالعمل و الجهد و بذل الغالي و النفيس من أجل تحصين سقف الوطن و أركان الوطن و حدود الوطن. إنه العار الأكبر حين يقف صناع اليأس أمام المستثمر و مغاربة العالم و حاملي المشاريع و الشباب و يقولون لهم كونوا مثلنا و انتهزوا الفرص و استولوا على المجالس. أكاد أعترف أنني لا اردد إلا بديهيات و لكن تغيير الواقع واجب وطني مقدس.
ليس مهما أن ينتصر حزب على آخر و يستولي على مؤسسات البلاد. و لكن الأهم هو أن ينتصر المغرب بقوة مواطنيه المخلصين القادرين على خلق الثروات و ليس اهدارها أو سرقتها. يحز في القلب أن تكون في بلدي فئات تعيش على الريع. أغنياء لهم “اكريمات ” في مجالات النقل و الرمال و الصخور و الطاقة و مواطنين مجتهدين يجدون أنفسهم مجرد خدام لديهم و لمصالحهم. و لأنني من مستعملي وسائل النقل العمومية أشارك السائقين المهنيين للتاكسي همومهم و أرى أن أغنياء ” الكريمات” عار على بلادي. لا أتكلم على من مصدر عيشه كراء رخصة نقل حصل عليها و لكن أتكلم عن من يراكمون العديد من الرخص و يجنون من وراءها الملايين كل شهر. إنه العار بعينيه و إنه وجه قبيح في زمن البحث عن الوسائل المؤدية إلى نموذج تنموي جديد. الإختيار الأول و الأوحد هو القطع النهائي مع كل أوجه استغلال النفوذ للاغتناء عبر الريع و الرشوة و غياب المنافسة و تغييب الشفافية. يخالجني شعور بأن الديمقراطية في شكلها الحالي تحتاج إلى وقفة أو حتى انتكاسة لأن الممارسة أدت إلى مغالطات تاريخية. أريد ديمقراطية هجينة صارمة في المحاسبة و صاحبة مشروع تنويري لمدة حتى تتضح صورة نخبة قادرة على محاربة كل أوجه الانغماس في انتهاز الفرص و الاغتناء السريع بإسم ممارسة الفعل السياسي. و قد ظهر جليا أن هذه الممارسة لها ارتباط وثيق بأهمية تدبير المجال و الإستفادة مما يتيحه العقار من لا تغتفر.