لهذه المقالة دوافع ذاتية. أولها، أني في حماوة هذا الاكتساح المتسارع لمقولة الحداثة في تداولنا الثقافي والسياسي، طرحت على نفسي مرارا السؤال التالي:
لماذا في القراءة الأولى، في بداية السبعينات، لكتاب “الأيديولوجية العربية” للمفكر العروي، لم تنحفر في ذهني كل حمولات هذه المقولة، وهو أول من حمل دعوتها المتسقة والجذرية. ومع أن الفكر الماركسي الذي كنا عليه، وعلى علاته وتشوهاته، كان يقبل بها مبدئيا، ويثمنها في ما كان يسميه “بمكاسب الثورة البورجوازية”. (؟ !) ثم لماذا لم تكن دعوته التحديثية الشاملة، وأساسها ضرورة استيعاب الفكر التنويري التأسيسي مقولبة حصرا في فكرة الحداثة كما هي أيديولوجية اليوم؟
هذا السؤال الذاتي هو الذي دفعني أن أقرأ من جديد الكتابين “الأيديولوجية العربية المعاصرة ” و “العرب والفكر التاريخي”. وقبل أن أدخل صميم الموضوع، وجدت أن “العرب والفكر التاريخي” به تفصيلات وتدقيقات لمنهجية الكاتب، وهي التي كنت بحاجة إليها لفهم هواجسي السابقة. وأيضا، هي التي ارتكزت عليها في هذه المقالة.
والدافع الثاني، وفي صلة بالأول، أن توجساتي من الأيديولوجيا الحداثية السائدة اليوم، كانت ولازالت، في أنها تكاد تكون فارغة المحتوى السياسي – المجتمعي العيني، ولهذا لم تُحدث بعد النهضة المجتمعية المفترضة. ويعود ذلك، في ظني إلى انفصامها عن الأيديولوجية الاشتراكية. وهذا ما جعلني أطرح السؤال عن “الحداثة بين الليبرالية والاشتراكية” من زاوية الممارسة في أوضاعنا المجتمعية. ولقد تبين لي في الأخير، أنه إذا كانت الغاية من تناول هذا الموضوع، تدور في النهاية حول محور واحد، هو، كيف نجعل من الممارسة السياسية والفكرية مطابقة لواقعنا المجتمعي ومعاصرة لعالمنا الراهن، فإن التفكير في ما أسماه الراحل ياسين الحافظ “السياس – تاريخ” سيكون هو الإطار الجامع لملاحظاتي النقدية بين الليبرالية والاشتراكية. وهذه الخلاصة أتمنى أن أصل إليها، بعد تناول الموضوع في مرات أخرى ومن زوايا مختلفة لأسئلته العديدة والعالقة. ولا أحتاج هنا إلى أن أبين، أن التفكير في الماركسية هو في نهاية التحليل وبالضرورة تفكير في الاشتراكية، بينما ليس التفكير في الاشتراكية هو بالضرورة تفكير في الماركسية. ولذلك فالشطر الأول من هذه المعادلة هو الذي يعنيني في هذه المقالة.
لماذا في القراءة الأولى، في بداية السبعينات، لكتاب “الأيديولوجية العربية” للمفكر العروي، لم تنحفر في ذهني كل حمولات هذه المقولة، وهو أول من حمل دعوتها المتسقة والجذرية. ومع أن الفكر الماركسي الذي كنا عليه، وعلى علاته وتشوهاته، كان يقبل بها مبدئيا، ويثمنها في ما كان يسميه “بمكاسب الثورة البورجوازية”. (؟ !) ثم لماذا لم تكن دعوته التحديثية الشاملة، وأساسها ضرورة استيعاب الفكر التنويري التأسيسي مقولبة حصرا في فكرة الحداثة كما هي أيديولوجية اليوم؟
هذا السؤال الذاتي هو الذي دفعني أن أقرأ من جديد الكتابين “الأيديولوجية العربية المعاصرة ” و “العرب والفكر التاريخي”. وقبل أن أدخل صميم الموضوع، وجدت أن “العرب والفكر التاريخي” به تفصيلات وتدقيقات لمنهجية الكاتب، وهي التي كنت بحاجة إليها لفهم هواجسي السابقة. وأيضا، هي التي ارتكزت عليها في هذه المقالة.
والدافع الثاني، وفي صلة بالأول، أن توجساتي من الأيديولوجيا الحداثية السائدة اليوم، كانت ولازالت، في أنها تكاد تكون فارغة المحتوى السياسي – المجتمعي العيني، ولهذا لم تُحدث بعد النهضة المجتمعية المفترضة. ويعود ذلك، في ظني إلى انفصامها عن الأيديولوجية الاشتراكية. وهذا ما جعلني أطرح السؤال عن “الحداثة بين الليبرالية والاشتراكية” من زاوية الممارسة في أوضاعنا المجتمعية. ولقد تبين لي في الأخير، أنه إذا كانت الغاية من تناول هذا الموضوع، تدور في النهاية حول محور واحد، هو، كيف نجعل من الممارسة السياسية والفكرية مطابقة لواقعنا المجتمعي ومعاصرة لعالمنا الراهن، فإن التفكير في ما أسماه الراحل ياسين الحافظ “السياس – تاريخ” سيكون هو الإطار الجامع لملاحظاتي النقدية بين الليبرالية والاشتراكية. وهذه الخلاصة أتمنى أن أصل إليها، بعد تناول الموضوع في مرات أخرى ومن زوايا مختلفة لأسئلته العديدة والعالقة. ولا أحتاج هنا إلى أن أبين، أن التفكير في الماركسية هو في نهاية التحليل وبالضرورة تفكير في الاشتراكية، بينما ليس التفكير في الاشتراكية هو بالضرورة تفكير في الماركسية. ولذلك فالشطر الأول من هذه المعادلة هو الذي يعنيني في هذه المقالة.
محمد الحبيب طالب